Translate

الأحد، 16 أبريل 2017

جمع الشوارد من حجج تقوية المتن بالشاهد




بقلم / أبي عُبُود، عبد الله بن عُبُود باحمران – حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم،، وبه نستعين

وليد : شيخنا ذكر لي أحد الإخوة المتأثرين ببعض المفرقين عدة أمور منها أن تقوية المتن بالشاهد هو من منهج المتأخرين فيا حبذا شيخنا ذكر جواب شاف كاف إن شاء الله مما نسمعه منك في اعتماد تقوية المتن  بالشاهد ، و جزاك الله خيراً .
أبو عبود : وإياك .
بالنسبة للذين يُفرِّقون كالشيخ السعد أو الدكتور العوني لا أعلم أن أحداً منهم منع القول بتقوية المتن بالشاهد .
مع اعترافي بضعف متابعتي لجديدهم ومع ذلك لا أستبعد وقوع  هذا وذلك لأن الانحراف يبدأ ..ويتسع حتى يأتي وقت يشتكي من اتساعه صاحب أول خطوة فيه باعتباره أنه محق .
فإذا كان الغلوُّ في الحق يُضيِّعه ويطمسه ويشتكي منه أهل الحق فكيف بباطل يراه صاحبه حقًّا ينصر به حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسيشتكي  من غلاة المفرقين ويشتكي ممن يراهم مخالفين له ابتداءاً ودائماً ؟ .
أما ما نقلتَه من أن تقوية المتن بالشاهد هو من منهج المتأخرين ؛ فهذا قول حقٍ ناقص لا ينير لقائله فضلاً عن غيره الطريق ويكتمل نور الحق بقول آخر معه وهو: وكذلك هو منهج الأئمة النُّقَّاد  المتقدمين بل ليسوا يقوون فقط بل يقوون ويرفعون به حكم الإمام النَّقَّاد الآخر بالنكارة .
بل وكيف يكون حال هذا القائل إذا علم أن الإمام النَّقَّاد يحيى بن سعيد القطان دفع النكارة أو الخطأ بالاحتمال ؟ .
مسألة تقوية المتن بالشاهد هي من مسائل عدة أدندن بها بفضل الله عز وجل لإثبات أن الأئمة النُّقَّاد المتأخرين إلى الإمام النَّقَّاد ناصر الدين الألباني رحمهم الله جميعاً :
أ)- يخدمون منهج الأئمة النُّقَّاد المتقدمين علماً به وتعليماً ونشراً له وتبييناً ولا ينقضون شيئاً منه فضلاً عن هدمه .
ب)- ويسيرون عليه حسب وسعهم في إعلال الروايات وقبولها .
مع إقرارهم بتقدم المتقدمين عليهم في كل شيء إلا مما لابد منه مما يقع للبشر غير المعصومين .
ج)- لذلك فهم أعرف وأفهم بهذا المنهج وأقرب إليه زمناً من غيرهم من المعاصرين .
د)- كل ذلك وغيره لأنهم سلسلة مترابطة متماسكة تلقَّى التالي عن الأول هذا المنهج في رواية الحديث ونقده فكيف تقع المخالفة فضلاً عن النقض والهدم ؟ .
من الأدلة على أن الأئمة النُّقَّاد المتقدمين يقوّون بالشاهد بل ويُعلون بالشاهد وبه يعرفون خطأ الراوي :
* الدليل الأول : عباراتهم في لماذا يكتبون الحديث ويسمعونه ؟ :
فنجد فيها :
أ)- لاتخاذ الحديث ديناً .
أي: الاحتجاج به والعمل به في الأمور العلمية والعملية .
ب)- للاعتبار به  لمعرفة حديث الراوي والوقوف على حديثه المستقيم منه من حديثه المنكر والضعيف ، ومن ذلك تُعرف مرتبته من حيث القبول أو الرد .
ويكون ذلك بمعرفة المتابع أو الشاهد المُعتَبَرَين .
 ج)- للمعرفة فقط، أي: لا يصلح الاحتجاج به ولا الاعتبار به في المتابعات ولا في الشواهد .
لذلك نجد الإمام النَّقَّاد بعد ذلك لا يروي في الغالب عمن كتب حديثه أو سمعه للمعرفة .
ومن ذلك قول الإمام النَّقَّاد  سفيان الثوري عند الخطيب البغدادي في ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع )(2 /193 ):
( إني لأكتب الحديث على ثلاثة وجوه: فمنه ما أتدين به ، ومنه ما أعتبر به ، ومنه ما أكتبه للمعرفة ) انتهى.
 وقوله هذا بلفظ ( أسمع ) عند العقيلي في (الضعفاء) (1/15) وابن عدي في(الكامل)(1/82).
أين الشاهد لما قلتُه في قول الإمام النَّقَّاد سفيان الثوري هذا ؟ :
الدليل لما قلتهُ هو ما ذكرتُه في الفقرة(ب) وبيان ذلك :
هذا الذي قاله الإمام سفيان الثوري هو عمل يقوم به الأئمة النُّقَّاد المتقدمون يُسمَّى عندهم الاعتبار والتتبع والسبر والعرض .
وذلك للوقوف على الرواية من حيث التفرد والموافقة والمخالفة .
ثم معرفة المحفوظ من غير المحفوظ من الرواية .
ثم بعد ذلك معرفة حال الراوي من حيث القبول أو الرد عند تفرده أو مخالفته .
فبالموافقة والمخالفة يُعرف حال حديثه أنه حفظه أو أخطأ فيه .
فالأول يكون محفوظاً معروفاً .
والآخر منكراً شاذًّا .
فتجد عند حفظه قولهم : ( حديث محفوظ) (حديث مستقيم ) (حديث صحيح) (حديث معروف).
وتجد عند خطئه قولهم : ( حديث منكر) و(حديث شاذٌّ) و(حديث غير محفوظ) .
وتجد أحيانًا ذكر نوع الخطأ كقولهم : ( حديث مقلوب) و (مدرج) .
ومن مجموع ما وافق فيه فَحَفِظَه وخالف فيه فأخطأ وحسب مقدار ما رواه يتم معرفة ضبط الراوي من عدمه ودرجتَه ومرتبتَه من حيث الاحتجاج به أو الاعتبار أو الترك .
وهنا يأتي رد أو قبول نوع الرواية الثالثة وهي ما تفرّد به فهل يُحتَمل منه هذا التفرد أم لا ؟.
والتفرد والموافقة والمخالفة كما تكون في الإسناد تكون أيضاً في المتن .
والموافقة تكون:
 أ)- بموافقة غيره له في الإسناد أو جزء منه،، وهذه المتابعة .
 ب)- بموافقة غيره له في لفظ الحديث أو معناه وذلك بوجود ذلك في حديث صحابي آخر وهذا،، هو الشاهد .
الفرد لا تابع له و لا شاهد .
المخالفة تكون بمخالفة مَن أعلى منه حفظاً أو عدداً في الإسناد أو المتن .
لذلك كما يكون الخطأ في الإسناد يكون في المتن أيضاً..
والاعتبار والتتبع والسبر والعرض عند الأئمة النُّقَّاد المتقدمين لا يكتفون فيه بالحديث المرفوع في بابه ولا الإسناد المتصل بل ينظرون أيضاً في الموقوفات التي وردت في الباب وكذلك الإسناد المنقطع من مرسل وغيره .
لذلك تجدهم يكتبون ما يُروى في الباب من مرفوع وموقوف ومتصل ومنقطع ليعتبر الحديث من حيث التفرد أو الموافقة أو المخالفة ثم بعد ذلك يقبلونه أو يردونه .
ومثالاً لما تقدم ذكره من قول وعمل الإمام النَّقَّاد سفيان الثوري نفسه :
هو الحديث المعروف بحديث الصدقة .
ففيه :
 أ)- احتجاجه والقول به كما في (جامع الترمذي) (651).
ب)- اعتبر واعتمد تقوية الحديث بالمتابعة .
ج)- ردَّ إنكار الإمام شعبة لهذا الحديث .
 فيُنظر لهذا (جامع الترمذي) (650،651) و(الصحيحة) (499) وترجمة حكيم بن جُبير الأسدي من ضعفاء العقيلي وكامل ابن عدي.
إن فائدة المتابعة المُعتبرة هي دفع التفرُّد، وبدفع التفرُّد يكون تحققت التقوية بها أيضاً ، وذلك لأن بالمتابعة دُفع احتمال الخطأ بسبب التفرُّد مع أنه ليس كل تفرد فيه احتمال الخطأ .
وكذلك أيضاً دُفع احتمال الخطأ عند المخالفة مع أنه ليس كل مخالفة خطأ، والرواية التي دُفع عنها احتمال الخطأ هي الرواية المحفوظة المستقيمة الصحيحة، ويكون كذلك روايتان محفوظتان مستقيمتان صحيحتان .
وبهذا يكون في هذا الدفع تقويةً لرواية احتُمِل ضعفُها بسبب التفرُّد أو المخالفة .
كل هذا يقوله الأخ معنا بحمد الله .
وخلاصته: أن فائدة المتابعة هي: التقوية .
فالسؤال: هل الشاهد أيضاً فائدته التقوية ؟ .
يقول الأخ : لا .
هل الشاهد به أيضاً يُدفع التفرد ؟ .
ننظر :
لماذا فائدة المتابعة المُعتبرة هي التقوية ؟ .
لاشتراك المُتابِع والمُتابَع في رواية الحديث المَبحوث عن شيخ واحد .
وهما عدلان صادقان أخبرا أنهما رويا عن هذا الحديث عن هذا الشيخ ولم يوجد ما ينقض قولهما .
فرواية أحدهما وموافقة الآخر له في الإسناد والمتن باللفظ أو المعنى شهادةٌ لأحدهما أن الآخر حفظ .
فأحدهما بهذه الشهادة العملية بالرواية يُقَوِّي رواية الآخر .
قال الإمام النَّقَّاد الترمذي في كتابه ( العلل ) في آخر جامعه :
( وكذلك مَن تكلم من أهل العلم في مُجالد بن سعيد وعبد الله بن لَهِيعة وغيرهما إنما تكلموا فيهم من قِبَل حفظهم وكثرة خطئهم وقد روى عنهم غير واحد من الأئمة، فإذا تفرَّد أحد من هؤلاء بحديث ولم يُتابَع عليه لم يُحتَجَّ به، كما قال أحمد بن حنبل: ابن أبي ليلى لا يُحتَجُّ به. إنما عنى إذا تَفرَّد بالشيء ) انتهى
فالمُتابِع للراوي المُتكَلَّم فيه من قِبَل حفظه لكثرة خطئه يدفع عن حديثه الذي تابعه عليه:
أ)- تفرَّده به .
ب)- واحتمال خطئه .
فيخرج من دائرة احتمال الخطأ ويدخل في الأحاديث التي يحتج بها.
ج)- وذلك لأن تَفرُّد مَن هذا حاله هو بين الضعف أو النكارة .
د)- فيخرج حديثه هذا من حالته العامة : (يعتبر بحديثه) أو(يكتب حديثه) أو (يُستدل به) أي: للاعتبار إلى (يحتج بحديثه) أي: حديث صالح للحجية .
 والآن نعود إلى الشاهد:
فهل الشاهد به أيضاً يُدفع التفرُّد ؟ .
الأخ معنا إن شاء الله في أن موافقة متن حديث صحابي لمتن حديث صحابي آخر في اللفظ أو المعنى تُسمَّى شاهداً.
والأخ معنا إن شاء الله في أن بعض أهل العلم المتقدمين يُعبِّر عن المتابعة بالشاهد وعن الشاهد بالمتابعة .
هذه المرة سأترك الاستدلال على ذلك بالحاكم أبي عبد الله وأستدل على استعمال المتابع في الشاهد بالإمام البخاري إمام علم العلل في زمانه:
أ)- تصريحه بذلك: فبعد أن أخرج حديث عمر :( لعن الله اليهود...الحديث) (3460) قال: ( تابعه جابر وأبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ).
ب)- استعماله الشاهد في نوع متابعة الاقتران:
ففي (4244،4245) أخرج حديث سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة .
والآن لِمَ يُعبَّر عن الشاهد بالمتابعة ؟ :
لأن المدلول اللغوي كما هو موجود في المتابعة كذلك هو موجود في الشاهد .
فالصحابيان اشتركا في شيخ واحد وهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرويا ما سمعاه منه من قوله فاتفقا عليه لفظاً أو معنى .
وهذا هو واقع المتابعة .
بل اشتراك الصحابيين في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي من نوع المتابعة التامة دائماً.
وقطعاً الشهادة بالحفظ والضبط متوفرة في هذا كما هي متوفرة في شهادة المتابِع للمُتابَع .
وبهذا تبيَّن إن شاء الله أنه لاَّ فرق واقعي بين المتابعة والشاهد ولذلك استُعمِلت المتابعة محل الشاهد والشاهد محل المتابع بدون نكير.
وإذا كان الأخ بحمد الله معنا في أن المتابعة تنفي التفرُّد؛ فممّا بينتُه من أنه لا فرق عمليّاً بين المتابعة والشاهد فيكون الشاهد أيضاً ينفي التفرُّد والغرابة عن المتن .
وإذا كان الأخ بحمد الله معنا في أن المتابعة تنفي التفرُّد ويتقوَّى بها الحديث لأنها نفت احتمال الخطأ في الرواية الفرد ؛ فممّا بينتُه من أنه لا فرق عمليّاً بين المتابعة و الشاهد فيكون الشاهد أيضاً ينفي التفرُّد والغرابة عن المتن وبهذا النفي يتقوَّى المتن لأنه نفى عن المتن احتمال الخطأ فيه وبذلك يتقوى الظن أو قد يقطع به حسب حال المتن المنظور أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاله .
وممّا قلتُه فلن يوجد إمام نقَّاد من المتقدمين يقول الذي نسبتَه لهذا الأخ .
لذلك نقل الإمام أبوعبد الله ابن رُشَيد الفِهري في كتابه (السَّنَنُ الأبيَن) في ذلك ما يُثبِّت ما قلتُه وينقض ما نقلتَه عن هذا الأخ فقد قال فيه في (ص152/تحقيق المصراتي) - مخاطباً الإمام مسلم - : ( ...وقد فعلتَ في كتابك مثله من رَّعيِ الاعتبار بالمتابعات والشواهد وذلك مشهور عند أهل الصنعة فيُتبِعون ويستشهدون بمَن لا يُحتمَل انفراده ومثل ذلك لا يُنكَر في الفقه وأصوله ) .
وقول هذا الأخ ليس فيه مخالفة للمشهور عند أهل الصنعة أي: النُّقَّاد من أهل الحديث فقط بل وفيه مخالفة لعمل الصحابة وفي مقدمهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
لأن الرواية قائمة على الحفظ، والحفظ له آفاته البشرية والعلمية التي تقضي عليه..
فللأمن من آفات الحفظ هذه أتى المتابع والشاهد .
ولذلك راعاهما أهل الصنعة للأمن من الآفة أن تقع في رواية مَن لا يُحتمَل تفرُّده وكان ذلك  مراعاً من قبل  في زمن كبار الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ومن ذلك واقعة الرجوع بعد الاستئذان ثلاثاً بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأبي موسى وشهادة العدل أبي سعيد لأبي موسى كما في (خ6245-م2153)
ففيها :
أ)- طلب عمر من أبي موسى أن يأتي له بمن يشهد له فيما نسبه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (م34-2153) .
وهذا الطلب هو الاعتبار لرواية أبي موسى.
ب)- لماذا اعتبر عمر رواية أبي موسى ؟ :
١)- لأنه لا يعلم بهذه الرواية وهو مَن هو قامة وقيمة :( لا يُسأل عن مثله) فخشي أن يكون دخل الوهم على أبي موسى في هذه الرواية وذلك من قوله: ( خفي عليَّ هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألهاني عنه الصفق بالأسواق ) (م 36-2153) .
وقوله : ( ما كنتُ علمتُ بهذا) عند (الترمذي2690) .
٢)- لأنه يعلم أن السنة هي الإذن بعد الاستئذان ثلاثاً لا الرجوع فأنكر ما رواه أبو موسى من أن الرجوع بعد الاستئذان ثلاثاً هو السنة. قاله الإمام الترمذي في جامعه (2691).
ج)- فأتى أبو سعيد شاهداً لأبي موسى على روايته .
ولأن أبا سعيد مُعتبرٌ في شهادته:
١)- ارتفع تفرُّد أبي موسى بهذه الرواية .
٢)- فارتفع احتمال الوهم في رواية أبي موسى .
٣)- وبهذا صح أن السنة المعروفة المحفوظة في الاستئذان ثلاثاً هي ما رواه أبو موسى بشهادة أبي سعيد.
وبهذا يكون معروفاً معلوماً عند الصحابة رضي الله عنهم والذي عُرف بعد ذلك عند أهل الصنعة بالمتابع والشاهد .
وأيضاً في هذه الواقعة أن المنكر أبداً منكر؛ هو عند مَن حكم بالنكارة فقط ولا يُعمَّم على غيره من الأئمة النُّقَّاد بحيث أنه لا يصح لأحدهم دفعه ومخالفته.
فهنا الإمام النّقَّاد عندنا هو محل الصحابي الأرفع مكاناً ومكانة وهو عمر بن الخطاب، أنكر روايةَ راوٍ لروايته لما لا يعلمه من السُّنَّة أو بما خالف فيه السُّنَّة فدخلت الريبة واحتمال الخطأ في روايته والراوي هنا هو أبو موسى .
وإمام نقَّاد متقدم أو متأخر دون الأول مكانًا ومكانةً علماً ومقاماً رد إنكار الإمام النّقَّاد الأول ومحله هنا هو أبوسعيد.
ودليل الإمام النَّقَّاد المتقدم أو المتأخر في رده الحكم بالنكارة هو شهادته نفسه أن الرواية التي رواها الراوي عن رسول الله هو نفسه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وهذا شبيهٌ بما تقدَّم من ردِّ الإمام النَّقَّاد سفيان الثوري إنكار الإمام النَّقَّاد شعبة لرواية حكيم بن جُبير  بأنه هو نفسه شاهد ومتابع لحكيم في هذه الرواية .
وأختم القول في الدليل الأول وهو : (عباراتهم في لماذا يكتبون الحديث ويسمعونه) بقول إمام الأئمة النُّقّاد الإمام احمد بن حنبل:
( ما حديث ابن لَهِيعة بحجة وإني لأكتب كثيراً مما أكتب أعتبر به وهو يقوي بعضه بعضاً) كما في (الجامع) للخطيب البغدادي و(شرح علل الترمذي) لابن رجب(1/138) وغيرهما.
وفي رواية أخرى عنه قال: (ابن لَهِيعة ما كان حديثه بذاك وما أكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال إنما قد أكتب حديث الرجل كأني أستدل به مع حديث غيره يشدُّه لا أنه حجة إذا انفرد ) كما في (شرح علل الترمذي) لابن رجب(1/91).
وعندما سأله أبو زرعة الدمشقي: (صالح يحتج به ؟ ) يعني: صالح بن أبي الأخضر اليمامي الراوي عن الزهري فقال: (يستدل به و يعتبر به) .
ففي قول الإمام أحمد في هاتين الترجمتين:
١)- أنه كتب ما وقف عليه من حديث ابن لَهِيعة وصالح بن أبي الأخضر وغيرهما ممن هو في مرتبة ودرجة حفظهما :( إنما قد أكتب حديث الرجل ....) .
٢)- ابن لَهِيعة عند الإمام: ( ما حديث ابن لهيعة بحجة ) و ( ابن لهيعة ما كان حديثه بذاك...لا أنه حجة إذا انفرد ) فيكون كذلك أمثال ابن لَهيعة كصالح بن أبي الأخضر.
٣)- فيكون كتب حديثه للاعتبار والاستدلال به هل تفرَّد به أم لا ؟ هل خالف فيه أم لا؟ هل وُجِد ما يَشُدُّ به حديثه فيكون مما حفظه ولم يهم فيه ؟ .
( أكتب اعتبر به ) و ( وما أكتب حديثه إلا للاعتبار والاستدلال ) و (يستدل به ويعتبر به) ، ( قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشدُّه ) .
٤)- وهنا كتب حديث ابن لَهِيعة كما كتب حديث غيره ممن هو مثله سواء وهو لاختبار رواياته بروايات غيره من الثقات لتمييز ما حفظه مما أخطأ فيه.
وكذلك لمعرفة مرتبة ابن لَهِيعة وهل مجموع ما رواه يضعه في مرتبة من يُحتج به أم أن مجموع ما وهم فيه يجعل حديثه متروكاً فلا يعتبر به أم أن مجموع ما حفظه ومجموع ما أخطأ فيه يجعله وسطاً أي يعتبر به ويستدل به فلا يحتج بما انفرد به ؟.
وذلك من قوله: ( وهو يقوي بعضه بعضاً) أي: ما أخطأ فيه لا يجعل كل حديثه لا يُعتبَر به.
وقد تقدم قول الإمام الترمذي في كتابه العلل في حكايته من تكلم من أهل العلم في ابن لَهِيعة وغيره إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم وكثرة خطئهم فإذا تفرّد أحدٌ من هؤلاء بحديث ولم يُتابع عليه لم يُحتجَّ به ثم قال:( قال أحمد بن حنبل: ابن أبي ليلى لا يُحتجُّ به. إنما عنى إذا تفرَّد بالشيء ).
وإذا جعلنا قول:( وإني لأكتب كثيراً مما أكتب أعتبر به وهو يقوي بعضه بعضاً ) قولاً مستقلًا لبيان أن حديث ابن لَهِيعة وحديث مَن هو مثله الذي يكتبه للاعتبار هل هو يقوي بعضه بعضاً فيكون فيه تقوية حديث مَن يُعتبر به بحديث مثله ؟ .
وقطعاً الاعتبار كما تقدم يكون بالمتابع والشاهد المُعتبرَين .
وهنا أذكر تقوية الإمام أحمد حديثين بالشاهد وهو دليل عملي أقدّمه هنا لتوضيح قوله النظري بعمله :
١)- حديث :( أفطر الحاجم و المحجوم )
٢)- حديث :( لا نكاح إلا بولي )
  فقد قال: ( أحاديث أفطر الحاجم و المحجوم ولا نكاح إلا بوليٍّ أحاديث يشد بعضها بعضاً وأنا أذهب إليها ) أخرجه ابن عدي في(الكامل)(3/266/ترجمة سليمان بن موسى الأسدي).
وهذا تفسير قولي وعملي لقوله المتقدم نقله : ( إنما قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشدُّه ) .
١)-حديث:( أفطر الحاجم و المحجوم ) :
روي من حديث ثوبان وشداد بن أوس ورافع بن خديج وأبي موسى الأشعري ومعقل ابن سنان وأسامة بن زيد وبلال وعلي وعائشة وأبي هريرة وابن عباس وسمرة وأنس وجابر وابن عمر وسعد بن مالك وأبي زيد الأنصاري وابن مسعود .
وأغلب هذه الأحاديث فيها ضعف من قِبَل حفظ رواتها فينظر لذلك (نصب الراية) (1/472/477) للحافظ الزيلعي .
٢)- حديث: ( لا نكاح إلا بولي ) :
روي من حديث أبي موسى الأشعري و عائشة ومعقل بن يسار وابن عباس وأبي هريرة وجابر وابن مسعود وعمران بن حصين وثابت بن زهير وعلي بن أبي طالب وأنس وعبد الله بن عمرو .
وأغلب هذه الأحاديث فيها ضعف من قِبَل حفظ رواتها فينظر لذلك (نصب الراية) (3/183/190) للحافظ الزيلعي .
ملخص الدليل الأول ( عباراتهم في لماذا يكتبون الحديث ويسمعونه ؟ ) :
من فائدة كتابة حديث الراوي الذي تُكلِّم فيه من قِبَل حفظه هو عدم إهدار حديثه لأنه قد يوجد ما يشدّه من المتابعة المُعتبرة أو الشاهد المُعتبر لدفع احتمال الخطأ في تفرُّده أو مخالفته فنأمن من أن حديثه هذا لا يدخل من ضمن رواياته التي تُكلِّم بسببها في حفظه .
و مثالاً لعدم الإهدار تقوية الإمام أحمد حديثين بالشاهد :
 ١)- حديث : ( أفطر الحاجم و المحجوم ) .
 ٢)- حديث : ( لا نكاح إلا بولي ) .
      * الدليل الثاني :
الموازنة والمقارنة والمعارضة بين روايات الحديث الواحد بعضها ببعض لمعرفة المحفوظ منها من غير المحفوظ .
وأهم ركيزتين في هذه الموازنة والمقارنة والمعارضة هما المتابعة المُعتبرة والشاهد المُعتبر .
وذلك لأنه يتم النظر والاعتبار في طريق الحديث فإن وُجدت له المتابعة التامة أو القاصرة علمنا بأن الحديث له أصل وإن وُجد له شاهد فهو يزداد قوة إلى قوته .
وإذا نظرنا واعتبرنا في طريق الحديث ولم نجد المتابعة المُعتبرة لا تامة ولا قاصرة فقبل الحكم على الحديث بالوهم ممن لا يُحتمل منه التفرد أو التفرد والغرابة ممن يُحتمل منه التفرد ننظر ؛ هل روى أحد من الصحابة عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم  هذا الحديث غير صحابي الحديث الذي لم نقف لإسناده على متابعة لا تامة ولا قاصرة ؟ .
 أي : هل له شاهد من حديث صحابي آخر باللفظ أو المعنى ؟ .
فإن وُجِد ذلك الشاهد المُعتبَر صحّ أن الحديث له أصل فيتقوى به وذلك لزوال احتمال الخطأ في التفرُّد وكذا الغرابة، ولكن تبقى الغرابة في الإسناد .
قال الإمام الترمذي في كتابه العلل في آخر جامعه :
( ورُبَّ حديث يُروى من أوجه كثيرة وإنما يُستغرب لحال الإسناد ) وذكر مثالين على ذلك أحدهما حديث عبدالرحمن بن يَعمُر أن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الدُّبَّاء و المُزَفَّت وقال :( هذا حديث غريب من قبل إسناده لا نعلم أحداً حدَّث به عن شعبة غير شَبابة وقد رُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أوجه كثيرة أنه نهى أن يُنتبذَ في الدُّبَّاء والمُزَفّت وحديث شَبابة إنما يُستغرب لأنه تفرد به عن شعبة . ) .
فالنهيُّ عن الانتباذ في الدُّبَّاء والمُزَفَّت هو متن الحديث الذي رواه شَبابة .
هذا المتن ارتفعت عنه الغرابة لمجيئه في متن حديث صحابة آخرين .
وبارتفاع الغرابة ثبت وتأكد صحة المتن لأن الغرابة مرشحة للتضعيف .
قال ابن رجب في ( شرح علل الترمذي ) (1/442) :
( المثال الثاني : حديث شبابة عن شعبة ... عن عبد الرحمن بن يَعمُر عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أنه نهى عن الدُّبَّاء والمُزَفَّت " فإن نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الانتباذ في الدُّبَّاء والمُزَفَّت صحيح ثابت عنه رواه عنه جماعة كثيرون من أصحابه ...) .
وتبقى الغرابة في الإسناد لا النكارة عند مَن يقبل تفرُّد شبابة عن شعبة بهذا الإسناد .
ومتن الحديث ؛ بالشاهد ارتفعت عنه الغرابة المرشحة للتضعيف فضلاً عن النكارة.
فحديث شبابة عن شعبة من حيثُ إسناده لا أصل له، أي : لا مُتَابِع له يُرجع إليه من رواية غيره من الثقات عن شعبة لذلك .
أما متن حديثه فله أصل يرجع إليه وهو ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من رواية صحابة آخرين .
وهذا الأصل يدفع عن متن حديثه النكارة أو المخالفة في معناه .
وهذه هي تقوية متن الحديث بالشاهد مع بقاء إسناده على الرأيين : غريب ومنكر .
فمن رآه غريباً رأى بما أن شبابة ثقة وسمع حديثاً كثيراً من شعبة  فلا يُنكَر أن يتفرَّد بهذا دون أصحاب شعبة كما صرح بذلك الإمام النَّقَّاد علي بن المديني كما في ترجمة شبابة من كامل ابن عدي .
وأنكره الأئمة النُّقَّاد أحمد والبخاري وأبو حاتم وابن عدي كما في ( شرح علل الترمذي ) لابن رجب (1/442/443) .
ولكن المتن عند الجميع مستقيم لشواهده .
وعندما سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث شبابة هذا قال: ( هذا حديث منكر لم يروه غير شبابة ولا يعرف له أصل ) كما في العلل(2/27/1557).
قوله :( لا يعرف له أصل) أي : بهذا الإسناد كما تقدم ذلك .
ومن قوله :( لم يروه غير شبابة ) .
وقد تقدم نقل تصريح الإمام الترمذي بذلك .
بعد هذا ؛ السؤال هنا هو : الإسناد بين الغرابة والنكارة وذلك لأن متنه له شواهد عند الجميع  فإذا انتفى الشاهد فهل سيظل الحكم مقتصراً على الإسناد أم سيشمل متن الحديث أيضاً ؟ .
قبل الإجابة عن هذا السؤال أجيب بما يزيل إن شاء الله استغراب الأخ المتأثر بالمفرقين من ذكري: (يُستدل به) أي : يُعتبر به .
أما ابن حبان فمن سياق كلامه نعرف مراده بقوله :(يعتبر) وليس دائماً يقوله في الاحتجاج .
فأذكر له مثالاً في الموازنة والمقارنة والمعارضة برواية مَن قيل فيه (يستدل به) أي : يُعتبر به ولا يحتج به ونتيجةُ ذلك قد تنقض فهمه لمسألة: (المنكر أبداً منكر) لأنه سيجد إن شاء الله أن من قال هذه المقولة هو نفسه ينقض فهم الأخ لهذه المقولة ثم بعد ذلك عليه أن يذكر دليله أن قول: (يستدل به) أي: يُحتج به بعد أن أذكر له إن شاء الله الدليل على أن هذا اللفظ خرج من معناه اللغوي الظاهر إلى المعنى الاصطلاحي .
الإمام أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/464/رقم:1187،1188/تحقيق شكر الله القوجاني ) :
 ١)- سأل ابنَ معين (عن حديث أبي سلمة عن جابر في الشفعة قلتُ له : ما تقول فيه ؟ قال : منكر ) ثم قال أبو زرعة : ( ورأيته ينكر رفعه عن جابر ويعجبه وقوفه عن سعيد وأبي سلمة ) .
وعلى الأخ أن يتذكر :(ويعجبه) أي : محفوظ غير منكر.
وقول ابن معين هو قول أبي حاتم في العلل (1431- علل أخبار رويت في الشفعة) وفيه استدلال أبي حاتم على قوله والذي فيه تقوية وإعلال للمتن بالمتن حيث قال في آخر استدلاله : ( وقد ثبت في الجملة قضاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالشفعة فيما لم يقسم في حديث ابن شهاب وعليه العمل عندنا ).
فمن قوله : (وقد ثبت..) ؛ تصحيح .
ومن قوله : ( وعليه العمل...) ؛ احتج بما ثبت عنده فعمل به .
فالإمام أبو حاتم قوَّى المتن بما هو معلوم ثبوته عنده من متن حديث صحابي آخر، ثم انتقل بعد صحة نسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الاحتجاج به فعمل به .
وإذا سلّم الأخ بهذا ؛ ففي عمل أبي حاتم هذا تقوية فقرة من الحديث بمتن حديث آخر .
وإذا سلّم الأخ بهذا ؛ ففيه أيضاً إعلال  فقرة من الحديث لمتن حديث آخر .
 ٢)- ثم سأل أبو زرعة الدمشقي الإمام أحمد عن حديث الشفعة هذا فقال : ( قلت لأحمد بن حنبل ما تقول فيه ؟ قال هو ثبت ورفع منه واعتد برواية معمر له واحتج له برواية مالك وإن كانت موقوفة قلت لأحمد: ومن أي شيء ثبت ؟ قال : رواه صالح بن أبي الأخضر - يعني مثل رواية معمر – قلت: وصالح يحتج به ؟ قال: يستدل به يعتبر به ) ، وينظر لهذا (تاريخ دمشق)(25/209) .
فالإمام أحمد يُثبِّت الحديث لمتابعة صالح بن أبي الأخضر مَعمَراً في روايته عن الزهري وذلك من قول: (ومن أي شيء ثبت ؟ قال: رواه صالح...) .
وبهذه المتابعة ردَّ حكم الإمام ابن معين بالنكارة .
وهذا فيه أن المنكر أبداً منكر ؛ هو عند القائل بذلك بل وفي الوقت الذي قاله .
وإنما قلتُ: (وفي الوقت الذي قاله)؛ لأن الإمام نفسه قد يرجع عن إنكاره في وقت لاحق.
وإليك من (علل ابن أبي حاتم ) مثالاً واحداً فقط وهو في (1/280/281رقم833) : (...قال أبي : كنا ننكر حديث الزهري حتى رأينا ما يقويه...فعلمنا أن حديث الزهري صحيح...) .
(كنا ننكر ...ما يقويه... صحيح )
فأبو حاتم أخذ بظاهر الإسناد وحكم عليه بالنكارة .
ثم وقف على ما يدفع هذه النكارة وحل محلها التقوية فالصحة.
أجيب إن شاء الله عن السؤال السابق والذي هو :
الإسناد فقط بين الغرابة و النكارة وذلك لأن متنه له شواهد عند الجميع  فإذا انتفى الشاهد فهل سيظل الحكم مقتصراً على الإسناد فقط أم سيشمل متن الحديث أيضاً ؟.
وهذا الجواب هو الدليل الثالث :
* الدليل الثالث :
الاعتبار بالشاهد هو لأجل معرفة أن المتن محفوظ من حيث نسبته إلى النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذه هي تقوية المتن بالشاهد وهذه المعرفة يختص بها نُقَّاد أهل الحديث .
 ولذلك عندهم المتن الصحيح يزداد قوة بالمتن الشاهد له .
وبعد ثبوت النسبة إلى النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأتي الاحتجاج به وهنا يشترك الفقهاء مع النُّقَّاد من أهل الحديث .
لذلك من هذين العملين عند نقاد الحديث أتت مسألة :
احتجاج الإمام النَّقَّاد بالحديث هل هو تصحيح له ؟ .
لأنه قبل أن يحتج به يكون أثبت صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وكذلك عند الترجيح يكون المتن الذي ثبت عن صحابيين أرجح من المتن الذي ثبت من طريق صحابي واحد فقط .
لأن المتن الذي ثبت عن صحابيين أقوى في الثبوت من المتن الذي ثبت عن صحابي واحد.
فوجود المتن به تكون التقوية لمتن آخر .
وكذلك يكون الإعلال فما به يُقوَّى كذلك به يُعلّ لأن ما به يُعل به يُقوَّى ،          وفقدان المتن تظهر به :
أ)- الرواية التي لا تُحتَمَل :
       ١)- لاحتمال الغلط في التفرُّد بمتنها .
      ٢)- لاحتمال الخطأ في متنها للمخالفة .
ب)- الرواية الغريبة التي تُحتَمَل وذلك بأن يتفرد بمتنها أو جزء منه الحافظ المتقن لحفظه .
فالغرابة لا تجامع الضعف ولا النكارة إلا من سياق الكلام أو في اصطلاح خاص .
فمثلاً في علل ابن أبي حاتم (1/40رقم84) قال أبو حاتم : ( هذا الصحيح وكنا نظن أن ذلك غريب ثم تبين لنا علته...) .
وفي (1/107رقم288) منه قال أبو حاتم : (هذا خطأ...كنت معجباً بهذا الحديث وكنت أرى أنه غريب حتى رأيت سهيل عن...فعلمت أن ذاك لزم الطريق ) .
ولزوم الطريق من قرائن الوهم في الرواية .
وفي (2/167رقم1993) منه قال أبو حاتم  : (كنت أستغرب هذا الحديث فنظرت فإذا هو وهم ...) .
وفي (2/256رقم2261) منه قال أبو حاتم : ( حديث حنظلة إن كان محفوظاً فهو غريب) .
عند الموازنة والمقارنة والمعارضة والسبر لحديثٍ ما رواه ثقة أو مَن يُعتبر به ولا أصل يشهد له ؛ يظهر في هذا الحديث الذي تقدم ذكره في فقدان المتن: (أ) و(ب):
١)- بيّن الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أن الحديث الغلط أو المنكر يُعرف عند عرضه على حديث الثقات .
 ثم ذكر علامتين يُعرف بإحداهما الحديث المنكر : 
       أ)- مخالفة راويه لأهل الحفظ والرضا .
     ب)- تفرده بما لا يُعرف عند أهل الحفظ والرضا .
  وهاتان علامتان يكون الحديث بإحداهما لا أصل له يُرجع إليه .
٢)- وبيّن الإمام مسلم  هاتين العلامتين بياناً شافياً في كتابه (التمييز) .
 وما سأنقله إن شاء الله من (التمييز) هو الذي طُبع بتحقيق الأخ الفاضل صالح بن أحمد بن ثابت ديّان .
    أ)- وقد عقد الإمام مسلم فيه باباً قبل كلامه عن الأحاديث وهو:(باب ما جاء في التوقيت في حمل الحديث وأدائه والتحفظ من الزيادة فيه والنقصان ) .
وهو في متن الحديث المنسوب إلى النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حفظه وتبليغه كما قاله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتحذير من تبليغه على التوهم لأنه بذلك يكون : ( قد أزال معنى الخبر بتوهمه عن الجهة التي قاله بنقصان فيه أو زيادة حتى يصير قائلاً على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما لا يعلم...) كما قاله في (ص62) .
ب)- في الحديث (٧) :
   ١)- ذكر حديث أيمن بن نابِل عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً في التشهد وفي متنه:(بسم الله وبالله والتحيات...)  .
   ٢)- ثم بيّن وهم أيمن في الإسناد .
    ٣)- وهذا الوهم في الإسناد ترشح منه الوهم فيما زاده في المتن فقال في (ص93) منه :( فلما بان الوهم في حفظ أيمن لإسناد الحديث بخلاف الليث و عبد الرحمن إياه دخل الوهم أيضاً في زيادته في المتن فلا يثبت فيه ما زاد فيه ) .
    ٤)- ثم بيّن دليل حكمه بالوهم على هذه الزيادة في المتن بأنه ليس له أصل يرجع إليه في أصل التشهد المحفوظ والصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال في (ص94) منه : ( وقد روي التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أوجه عدة صحاح فلم يذكر في شيء منه بما روى أيمن في روايته قوله : "بسم الله وبالله " ... والزيادة في الأخبار لا تلزم  إلا عن الحفاظ الذين لم يكثر عليهم الوهم في حفظهم) .
 ٥)- فما زاده أيمن في هذا المتن وهم لأنه لا أصل ترجع إليه هذه الزيادة في أصل التشهد .
  ٦)- وبعدم وجود هذا الشاهد أو الأصل ظهر الوهم في هذه الزيادة .
 ٧)- ولعدم وجود هذا الشاهد لزيادة أيمن هذه في المتن :
أ)- فبعد إخراج الإمام النسائي لها في سننه (1281) قال:( لا نعلم أحداً تابع أيمن بن نابل على هذه الرواية وأيمن عندنا لابأس به والحديث خطأ ).
ب)- وقال فيه ابن حبان في ثقاته (1/183) : (..يتفرد بما لا يتابع عليه..) .
   وقد تقدم أن المتابع يطلق على الشاهد وهنا لا شاهد أي لا متابع .
      ٨)- وحال أيمن بن نابِل هو :
أ)- قال فيه الترمذي في جامعه (903):( وهو ثقة عند أهل الحديث ) .
ب)- قال فيه ابن عدي في (الكامل) (1/183):(...ولم أرَ أحداً ضعَّفه ممن تكلم في الرجال...) .
ج)- وذكره الحاكم أبو عبد الله في ثقات أهل اليمن في النوع (49) من معرفة علوم الحديث وهو: (معرفة الأئمة الثقات المشهورين من التابعين وأتباعهم ممن يُجمع حديثهم للحفظ والمذاكرة والتبرك بهم ) .
٩)- فإذا وُجِد أصلٌ مُعتبر يشهد لزيادة أيمن هذه في المتن فهل سيختلف الحكم على هذه الزيادة في هذا المتن ؟ .    
أذكر إن شاء الله مثالاً آخر من صنيع الإمام مسلم في أنه عند الموازنة والمقارنة والمعارضة والسبر لحديثٍ ما رواه ثقة أو مَن يُعتبر به ولا أصل يشهد له يظهر في هذا الحديث الذي تقدم ذكره في الدليل الثاني :
ج)- الحديث (14) (ص122/125) :
   ١)- ذكر حديث ابن إسحاق في إدراك الحج بالوقوف بعرفة قبل طلوع الشمس .
   ٢)- وصدَّر ذكره هذه الرواية فقال : (ذكر رواية بلا عاضد لها في شيء من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم...) .
    قوله : (بلا عاضد...) : أي : هذا المتن لا يوجد ما يعضده من متن صحابي آخر فيقويه .
   ٣)- ثم ذكر الأحاديث الواردة في هذا الأصل : حديث عبدالرحمن بن يَعمُر وحديث ابن عباس وحديث ابن الزبير وحديث جابر وحديث ابن عمر .
   ٤)- ومتون هذه الأحاديث ليس فيها ما يشهد لمتن رواية ابن إسحاق .
   ٥)- لذلك هي : (رواية فاسدة بلا عاضد لها في شيء من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم  ) .
    ٦)- ثم أكّد سقوطها لتفرُّدها بأصل في هذا الباب لم يُحفظ فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال في آخر بيانه : (...أن رواية ابن إسحاق التي رواها فجعل إدراك الحج فيها إلى بعد الصبح قبل طلوع الشمس رواية ساقطة وحديث مطرح إذ لو كان محفوظاً وقولاً مقولاً بمثل سائر الموجبات لم يذهب عن جميعهم ) .
   ٧)- فرواية ابن إسحاق هذا المتن وهم لأنه لا أصل له يرجع إليه هذا المتن في أصل واجبات الحج المحفوظة .
   ٨)- وبعدم وجود هذا الشاهد أو الأصل العاضد ظهر الوهم في هذا المتن .
د)- الحديث (17) (ص141/147) :
  ١)- ذكر حديث أبي هريرة في تشجيع الجنازة والصلاة عليها :(أربعة قراريط) .
  ٢)- وصدَّر ذكره هذا الحديث بقوله : (ذكر رواية لا يتابع روايتها في متنها ولا في إسنادها ) .
أ)- قوله :( لا يتابع روايتها في متنها) أي : لا شاهد لرواتها على روايتهم هذا المتن .
ب)- ففيه استعمال المتابِع محل الشاهد كما تقدم بيانه .
ج)- وأكد هذا الاستعمال فقال: (ذكر رواية لا يتابع...ولا في إسنادها) .
  فذكر لا يُتابع في المتن كما في الإسناد .
٣)- ثم ذكر ما يثبت عدم وجود الشاهد لهذا المتن في متن حديث صحابي آخر ورد في الصلاة عليها ودفنها .
٤)- فذكر حديث أبي هريرة وحديث عائشة وحديث البراء وحديث أبي سعيد وفي متونها كلها لا ذكر فيها لقراريط أربعة .
 ٥)- ومَعدي بن سليمان لروايته هذه وغيرها ذكره ابن حبان في (المجروحين) وذكر فيه روايته هذه وقال فيه: ( لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ) .
 ٦)- وهذا الحديث ذكره الإمام ناصر الدين الألباني في(الضعيفة) (5003) وقال : (منكر) .
وبعد الإمام مسلم أردف في هذا الدليل بصنيع الإمام أبي حاتم الرازي :
١)- إذا نظرنا في كتاب العلل لابنه سنجد إن شاء الله أن الإمام أبا حاتم في حكمه على الحديث يلحظ وجود الشاهد من عدمه فسنجد :
     أ)- اعتباره وجود الشاهد المُعتبَر أي : أن الحديث الذي حكم عليه متنه ثابت محفوظ عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
    فمثلاً نجد قوله : ( هذا حديث منكر بهذا الإسناد ) .
   ونجد بيان ابنه لقول : (حديث منكر) أي: بهذا الإسناد .
     ب)- اعتباره عدم وجود الشاهد المُعتبَر فيكون حكمه عاماً على الإسناد والمتن وخاصة بالنكارة أو غير محفوظ.
     ج)- ونجد القول الصريح بعدم اعتماده الشاهد فيقول مثلاً : ( ولا يصح في هذا الباب حديث)  كما في (رقم94) .
أو قول : ( وليس في كذا وكذا حديث صحيح ) كما في (رقم128) .
    د)- وعندما يُقَوِّى متنًا بمتن ويصححه يستشهد بالمتن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في قوله : ( واتفق متون سائر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل ذلك سواء) في (رقم549) .
٢) الفقرة (ب) هي المبحوثة هنا فمثالاً لوقوعها أنقل إن شاء الله التالي :
   1) سأل ابن أبي حاتم أباه في العلل (2/10رقم 1502) عن حديث قيس بن الربيع : (بركة الطعام الوضوء قبل الطعام وبعده) .
فقال أبو حاتم : ( هذا حديث منكر لو كان هذا الحديث صحيحاً كان حديثاً...).
أ)- أخرجه الترمذي في جامعه (1846) وقال:( لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الرَّبيع وقيس بن الرَّبيع يُضعَّف في الحديث ).
ب)- فالحديث تفرَّد به قيس بن الرَّبيع .
ج)- وفيه حكم من أحكام الوضوء لم يرد فيه دليل شرعي .
د)- و(لو كان هذا الحديث صحيحاً كان حديثاً ) أي : لو كان ثابتاً لكان الحكم الذي فيه معلوماً متداولاً .
ه)- لذلك هو حديث منكر لأن فيه راويًا يُعتبَر به تفرَّدَ برواية حكم من أحكام الوضوء وهو استحباب الوضوء قبل الطعام وبعده .
و)- و هذه الرواية لا أصل لها تُرجع إليه يشهد لها بالثبوت .
ز)- وذكر الإمام ناصر الدين الألباني في(الضعيفة)(168) دليلاً آخر لنكارة حديث قيس هذا .
وكذلك ردّ القول بتأويل الوضوء هنا بمعنى غسل اليدين فقط .
ح)- وكذلك غسل اليدين قبل الطعام وبعده ليس له أصل شرعي وإنما هو من الأمور المعقولة المعنى إن وُجِد وُجِد الغسل كاتساخ اليد .
ط)- فعدم وجود الشاهد المُعتَبر  لهذه الرواية جعل الحكم عليها بالنكارة عند الإمام أبي حاتم وغيره إلى الإمام ناصر الدين الألباني .
ي)- وقد رُوِي في ذلك شاهد غير مُعتبَر حكم عليه أبو زرعة الرازي  ثم ناصر الدين الألباني بالنكارة كما في (الضعيفة)(117) .
   ٢) ومثال آخر: حديث بُرد بن سِنان عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يصلي فاستفتحتُ الباب فجاء النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ففتح الباب ومضى في صلاته .
أ)- سأله عنه ابنه في (1/164رقم467) فقال : ( ما حال هذا الحديث ؟ فقال :      لم يرو هذا الحديث أحد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير بُرد وهو حديث منكر ليس يحتمل الزهري مثل هذا الحديث).
ب)- بُرد بن سِنان عند أبي حاتم صدوق كما في ترجمة بُرد من الجرح والتعديل .
ج)- تفرَّد به :( لم يرو هذا أحد عن النبي...) .
د)- الزهري لا يتحمّل هذا التفرُّد قد يكون لأمرين :
   ١)- فقه الحديث قد لا يقول به الزهري أو لم ينقل عنه وهو فقه يحتاج إليه الناس .
   ٢)- لم يُتابع أحدٌ من أصحاب الزهري بُرداً على روايته هذه .
ه)- تفرُّد بُرد بأصل في باب ما يجوز من العمل في الصلاة وهو المشي ذهاباً وعودة وفعل فتح الباب .
و)- وهذا الأصل لا يوجد ما يشهد له مما ثبت مما يجوز فعله في الصلاة .
ز)- مَن قَبِله من الأئمة النُّقَّاد كأبي داود- حيث لا يخرج في سننه الغريب الشاذ - والترمذي الذي حسنه والنسائي - حيث لم يُشر إلى علة فيه - وابن حبان وناصر الدين الألباني في الإرواء(2/108رقم 386) فلأمرين :
     1)- حال بُرد يُقبل منه ما تفرَّد به .
    2)- عملٌ في صلاة تطوع لحاجة ليس فيه ما يخرج به عن أصل جواز بعض الأعمال في الصلاة من حيث الصلاة قرب السترة أو الجدار فيكون الوقوف قرب الباب مع مساحة الحجرة قد يكون لهما أثر في أن يكون المشي ذهاباً وعودة بخطوات يسيرة كما بوب لذلك النسائي وابن حبان والدارقطني فيكون الحديث له أصل يرجع إليه في باب العمل في الصلاة لذلك أخرجه أبو داود في هذا الباب وأبو داود لا يخرج في الباب الحديث الغريب الشاذ .
أختم إن شاء الله هذا الدليلً بصنيع الإمام أبي جعفر العُقيلي في أنه عند الموازنة والمقارنة والمعارضة والسبر لحديثٍ ما رواه ثقة أو مَن يُعتبر به ولا أصل يشهد له يظهر في هذا الحديث الذي تقدم ذكره في الدليل الثاني :
    ١)- في أول ترجمة من تراجم كتابه الضعفاء وهي ترجمة أُبَيّ بن عباس بن سهل الساعدي أخرج له حديثا واحداً فقط ولفظه :( ألا يكفي أحدكم ثلاثة أحجار : حجران للصفحتين وحجر للمسربة ) .
أ)- قال أبو جعفر عقبه : (وَرَوى الاستنجاء بثلاثة أحجار عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم جماعةٌ منهم : أبو هريرة وسلمان وخزيمة بن ثابت والسائب بن خلاد  الجهني وعائشة وأبو أيوب لم يأتِ أحدٌ منهم بهذا اللفظ).
ب)- هذه الأحاديث في أصل الاستنجاء بثلاثة أحجار .
ج)- ليس فيها ما يشهد للمتن الذي رواه أُبَيُّ بن عباس الساعدي .
د) فيكون أُبَيُّ بن عباس الساعدي انفرد بلفظ لا أصل له يُرجع إليه في أصل الاستنجاء بثلاثة أحجار .
ه)- لذلك قال العُقيلي :( لم يأتِ أحدٌ منهم بهذا اللفظ ).
و)- وكذا قال ابن عدي في ترجمة أُبَيٍّ بعد هذا الحديث وغيره : ( ...وهو يكتب حديثه وهو فرد المتون والأسانيد ) .
ز)- وكذا قال الإمام ناصر الدين الألباني في(الضعيفة) (969) : ( فإن أُبيًّا هذا وقد تفرد بهذا الحديث...) .
ح)- فما هو حال اللفظ الذي تفرَّد به أُبَيُّ بن عباس  ؟ .
حسب حال أُبَيٍّ هل يُحتَمل منه هذا التفرد ؟
١- قال العُقيلي :( ولأُبَيٍّ أحاديث لا يتابع منها على شيء ).
٢- حسّن الدارقطني سنده وأقره البيهقي في سننه واعتمد عليه فقهاء من الشافعية كالرافعي فقالوا بثبوته .
 واعتبره ابن عدي فرداً ، وحسنه الحافظ ابن القيم في ( إعلام الموقعين ) .
٣- وردّ هذا الإمام ناصر الدين الألباني في (الضعيفة)(969) فقال: ( وفي ذلك نظر عندي فإن أُبيًّا هذا وقد تفرد بهذا الحديث مجروح...) وبيَّن كيفية إخراج البخاري لأُبيّ ابن عباس في صحيحه .
٤- وأُبَيُّ بن عباس بن سهل الساعدي ممن لا يُحتمَل تفرُّده عند الإمام ناصر الدين الألباني كما في (الصحيحة) (3458) .
وهدية خاصة للأخ الفاضل الذي انتقد تصحيح الإمام ناصر الدين الألباني لحديث السائب هذا بمجموع طرقه وشاهديه كما في (الصحيحة) (3316) وهي كالتالي :
أ)- حماد بن الجعد ضعيف عند العقيلي .
ب)- تفرَّد به عن قتادة .
ج)- وحماد تكلم فيه من تكلم لروايته عن قتادة .
د)- حماد بن الجعد من الطبقة السابعة .
ه)- وأمامه الإمام العُقيلي يعتمده لما له من شواهد مُعتبَرة ويعل بالجميع فقرة من متن تفرّد بها عنده من لا يُحتَمَل تفرده.
    ٢)- في ترجمة إبراهيم بن عبد الله بن سَمُرة الأسدي :
أ)- أخرج له من قول ابن عباس :( الجماعة ثلاثة ولهم خمسة وعشرون درجة فكلما ازداد فيهم رجل فلهم درجة إلى عشرة ألف ) .
ب)- هذا الحديث ليس له أصل يرجع إليه في فضل صلاة الجماعة وهو بضع وعشرون درجة .
ج)- لذلك قال فيه : (غير محفوظ) أي : لا شاهد له يعتمد .
د)- فقال : ( والحديث في فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد بضع وعشرين درجة ثابت عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأما هذا اللفظ فليس بمحفوظ ) .
   ٣)- في ترجمة زيادة بن محمد الأنصاري:
أ)- أخرج له حديث فَضَالة بن عُبيد في نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا .
ب)- روى في هذا الحديث ألفاظاً لا تشهد لها متون الأحاديث الصحيحة الثابتة في أصل نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا .
ج) لذلك قال العُقيلي : ( والحديث في نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا ثابت فيه أحاديث صحاح إلا أن زيادة هذا جاء في حديثه بألفاظ لم يأت بها الناس ولا يتابعه عليها منهم أحد) .
د)- فعدم وجود الشاهد كشف عن نكارة هذه الألفاظ .
 ه)- وقد حكم الإمام الذهبي عليها بالنكارة كما في ترجمة زيادة هذا من (الميزان).
    ٤)- في ترجمة سَوَّار بن عبدالله بن قُدامة القاضي :
أ)- أخرج له حديث ابن عمر: ( مَن كذَّب بالقدر فقد كذَّب بما أنزل عليَّ ).
ب)- روى سَوَّار هذا الحديث بألفاظ لا يشهد لها ما صح من أحاديث في باب القدر.
ج)- لذلك قال العُقيلي : (وقد رَوى في الإيمان بالقدر أحاديث صحاح وأما هذا اللفظ فلا يحفظ إلا عن هذا الشيخ ).
د)- فعدم وجود الشاهد كشف عن نكارة هذه اللفظة.
ه)- والبحث إنما هو في الاستدلال بقول الإمام العُقيلي وليس هل الحديث هو حديث سَوَّار بن عبدالله القاضي أم هو حديث سَوَّار بن مصعب ؟ .
     وينظر لذلك (الضعيفة)(4645) .
    ٥)- في ترجمة محمد بن فُضَيل بن غَزوان الضَبِّي :
أ)- أخرج له حديث جابر: (لو أن لابن آدم وادياً من نخل لطلب مثله ومثله ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب).
ب) فمحمد بن فُضيل روى في هذا الباب ما لا شاهد له في روايات الباب الصحيحة.
ج)- لذلك قال العُقَيلي : (ولا يتابع على هذه اللفظة ( واديا من نخل) والرواية في هذا الباب ثابتة من غير هذا الوجه لو أن لابن آدم واديين من مال ).
د)- وينظر للرواية الثابتة في هذا الباب إلى (الصحيحة) (2907) .
ه)- فمحمد بن فُضيل لا يُقبل منه ما تفرّد به .
  وأختم هذه الفقرة برواية مَن قُبِل تفرُّده مع عدم وجود الشاهد :
وما سأذكره إن شاء الله سيكون فيه ما يُشكَل على الأخ بسبب تأثره بمنهج المفرقين كما نسبتَ إليه ذلك :
1) حديث محمد بن فُضيل بن غزوان الضَّبِّي حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً:(من صام رمضان إيمانًا واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه ) .
      ١- أخرجه البخاري (38) وابن حبان(3432) وغيرهما من طرق عن محمد بن فُضيل به .
      ٢- تفرَّد به محمد بن فُضيل عن يحيى بن سعيد به :
أ)- قال النسائي عقبه :(حديث منكر من حديث يحيى لا أعلم أحداً رواه غير ابن فُضيل) (تحفة الأشراف) (11/28رقم2526) .
ب)- قال الدارقطني : (تفرد به محمد بن فُضيل عن يحيى عن أبي سلمة ) ( أطراف الغرائب والأفراد ) ( 5578 ).
      ٣- أين أصحاب يحيى بن سعيد الأنصاري كابن جُريج كما يدندن بذلك المفرقون دائماً لردِّ حكم أئمتنا في مثل هذا ؟ .
 وها هو الإمام النَّقَّاد البخاري لا يسأل هذا السؤال .
    ٤- أحاديث يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عددها معروف ليس منها هذا الحديث .
    فقد قال الإمام النَّقَّاد علي بن المديني :( لم يرو يحيى بن سعيد عن أبي سلمة غير حديثين : حديث أبي قتادة:( كنت أرى الرؤيا ) وحديث عائشة :( إني لأقضي رمضان في شعبان)..) ( التعديل والتجريح ) لأبي الوليد الباجي (3/1218) .
لذلك في حديث آخر لمحمد بن فُضَيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا:(تسحروا فإن في السحور بركة) أنكره الإمام ابن المديني وكذلك النسائي في سننه .
وهذا كما يقول المفرقون إعلال لا ينهض به إلا نُقَّاد عصر الرواية لذلك على المتأخر التسليم فقط.
وها هو الإمام النَّقَّاد البخاري من كبار نُقَّاد عصر الرواية لا ينظر إلى ذلك وإنما ينظر إلى ما ثبت من طريق الرواة الثقات والذي يسميه المفرقون النظر إلى ظاهر السند أي : حديث مُعل مَن صححه أخذ بظاهر الإسناد .
٥- الإمامان ابن المديني والنسائي يريان أن هذه الرواية غير واقعية غير في حفظ ابن فُضيل .
والإمام البخاري وابن حبان يريان أنها رواية حقيقية حفظها ابن فُضيل .
      ٦- وكاد أحدهم أن يُطيل لسانه على ابن حبان فأظهرت له جبل الحفظ والنقد البخاري فصار من القوم الذين إذا ...وإذا...أقاموا عليه الحد وهذه قاعدة عملية ذهبية لهؤلاء المفرقين في مثل هذه الحالات.
     ٧- ثم إن محمد بن فُضيل إن لم يكن ثقةً فهو صدوق من الطبقة التاسعة وهذا على مذهب الدكتور الخليل في مستدرك تعليله تفرُّدُ إعلال لا تفرُّد بيان فهل سَيُعِلُّ هذا الحديث بهذا التفرُّد لطبقة المُتَفَرِّد به ؟ .
ولكن لو أن ابن حبان فقط لكان وبما أن معه البخاري فالعمل يكون بقاعدة إذا ...وإذا...أقاموا عليه الحد .
وهذه قاعدة عملية تُدمَّر بها المجتمعات فكيف بالعمل بها في حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم  فسَيُقبَل ما لا يصح قبولُه ويُرَدُّ ما يجب قبوله ؟ .
2)- حديث أفلح بن حُميد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة :( فتلتُ قلائد بُدُن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيديّ ثم أشعرها وقلَّدها...الحديث) .
أ)- أخرجه البخاري (1696،1699) ومسلم (362-1321) .
ب)- تفرّد أفلح عن القاسم بذكر (الإشعار) فيه :
 فقد رواه غير واحد من الثقات عن القاسم بدون ذكر(الإشعار) .
 ورواه غير واحد من الثقات عن عائشة بدون ذكر(الإشعار).
ج)- لتفرُّد أفلح بذكر (الإشعار) أنكر الإمام أحمد هذه اللفظة كما في مقدمة الفتح (ص390) .
د)- هل حال أفلح يُقبل منه ما تفرد به هنا ؟ .
     الإمام أحمد أنكر هذه اللفظة .
     الإمامان البخاري ومسلم قَبِلا منه هذه اللفظة .
ه)- أفلح بن حُميد إن لم يكن ثقةً فهو صدوق .
و)- أفلح من الطبقة السابعة .
ز)- السؤال هنا مَن قَبِل هذا التفرد هل قَبِله لحال أفلح فقط أم لحاله مع شاهد له ؟ .
في : (باب مَن أشعر وقلَّد...) أخرج البخاري حديث المِسور بن مخرمة ومروان (1694،1695) ، وعقبه أخرج حديث أفلح وهو من حديث عائشة (1696).
 وفي :(باب إشعار البدن) أخرج حديث أفلح بمفرده وقبله ذكر حديث المِسور مُعلَّقًا .
ح)- فإذا كان الإمام البخاري ومسلم قَبِلا اللفظ الزائد في المتن لحال أفلح وللشاهد .
ط)- فهذا يكون تقوية لفظة في المتن مرشحة للخطأ بمتن حديث صحابي آخر و هذا بخلاف ما ذكره الأخ من عدم تقوية المتن بالشاهد.
ي)- أما مَن يرى أن التفرُّد علة قادحة كالدكتور أحمد الخليل صاحب مستدرك التعليل فهو بين أمرين:
   ١)- أن يقوي اللفظ بالشاهد فتكون هذه التقوية على طريقة المتقدمين فيكون الأخ المخالف ليس على طريقة المتقدمين.
   ٢)- أو: لا يقوّي بالشاهد لأن ذلك طريقة المتقدمين فيكون ما تفرَّد به أفلح ضعيفاً وإن كان في صحيح البخاري.
ولكن سيعيق ذلك كله وسيجعل رواية أفلح لا يستشهد بها أن أفلح من أهل الطبقة السابعة وأهل الطبقة السابعة متأخرون وتفرُّد أهل الطبقة المتأخرة شديد الضعف .
لذلك وفي جميع الأحوال البخاري على طريقة مَن في تصحيحه لفظ الإشعار الذي تفرَّد به أفلح ؟ .
   3)- حديث عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة :( كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقبل الهدية ويُثيب عليها ).
أ)- أخرجه البخاري (2585) (باب المكافأة في الهبة) وغيره من طرق عن عيسى به .
ب)- تفرد به عيسى قاله أبوداود والترمذي و البزار كما في الفتح (5/210) ، تفرد بوصله و تفرد بمتنه .
ج)- فرواه وكيع ومُحاضر بن المُوَرِّع عن هشام عن أبيه مرسلاً فلم يذكرا عائشة .
  ذكرها البخاري عقب رواية عيسى .
    فيكون البخاري رجّح زيادة عيسى لذلك أخرج في صحيحه الرواية الموصولة .
 قال الحافظ في المقدمة (ص361) : (رجح البخاري الرواية الموصولة بحفظ رواتها).
    وفي هذا دليل على أن الإمام البخاري يقبل زيادة الثقة بمعناها عند المتأخرين فهنا هشام الشيخ روى عنه بالوصل عيسى بن يونس وبالإرسال وكيع ومُحارب فزاد عيسى واعتمد البخاري الزيادة .
بل هو رجّح رواية الفرد على رواية اثنين.
فترك الترجيح بالعدد واعتمد الترجيح بالحفظ .
   إذا عملها الإمام ناصر الدين الألباني بمفرده وليس سلفه الإمام البخاري فماذا سيناله من المفرقين ؟ .
   وبخاصة أن الأئمة أحمد وابن معين وأبا داود والدارقطني ومقبل بن هادي الوادعي رجحوا الرواية المُرسلة ؟ .
د)- تفرد بمتنه :
    مَن قال له شاهد لمتنه اعتضدت به رواية عيسى الموصولة فليذكره ، فإذا ذكره فيكون بالشاهد رجّح وقوّى فلا تكون التقوية بالشاهد تقوية للمتن فقط بل تقوى بها الإسناد أيضاً ؟ .
     وإذا لم يرد شاهد فيكون الإمام الترمذي صححه مع ثقة الراوي الذي أوصل لورود ما يشهد لمعناه أيضاً فقال في جامعه (1953) : (هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عيسى بن يونس عن هشام ) .
    مرفوعاً : أي : موصولاً كما بينتُ ذلك في حلقات (ما لا يسع المحدث جهله) من استعمال المرفوع في مقابل المرسل وليس مقابل الموقوف .
ه)- ويبقى التذكير بمذهب الدكتور أحمد الخليل صاحب مستدرك التعليل :
     إذا سلَّم بما تقدم ؛ فتكون رواية عيسى الموصولة هذه مردودة لتفرده بها فضلاً عن مخالفته .
    بل هي رواية شديدة الضعف لماذا ؟
    لأن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي من أهل الطبقة الثامنة
   وأهل الطبقة السابعة متأخرون فكيف بأهل الطبقة الثامنة ؟ .
   قال الدكتور أحمد الخليل في (ص61رقم7) منه : ( ومما يزيد الأمر سوءاً أن كثير ابن زيد متأخر من أهل الطبقة السابعة مات في آخر خلافة المنصور والتفرد من المتأخر أشد ضعفاً من التفرد من المتقدمين كيف وهو ضعيف كما سبق ؟ بل لو كان ثقة لكان تفرده وهو متأخر علةً في الحديث ) .
    والدكتور يُصر على هذا ويجزم ويقطع به لأنه عنده هو منهج المتقدمين فقد قال في (ص68رقم7) منه : ( تفرد به كثير بن زيد وهو من الطبقة السابعة – كما سبق - أي طبقة متأخرة والتفرد من أهل هذه الطبقة غير مقبول وهو يدل على خطأ المتفرد وشذوذه...وإذا كان الحفاظ لا يقبلون تفرد الثقة إذا كان متأخراً...؟.) .
    انظر : ( وإذا كان الحفاظ لا يقبلون..) لتحذر أخي من فهم الدكتور الخليل وأمثاله فيما ينسبونه لأئمتنا المتقدمين .
4)- حديث محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني أبي عن ثُمَامة عن أنس بن مالك قال : (إن قيس بن سعد كان يكون بين يدي النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمنزلة صاحب الشرَطة من الأمير).
   أ)- أخرجه البخاري(7155) وابن حبان(4508) وغيرهما من طرق عن محمد بن عبدالله الأنصاري به .
  ب)- أخرجه الترمذي في جامعه (3850) وقال : ( حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الأنصاري ) .
 ج)- أخرجه العُقيلي في ترجمة عبد الله بن المثنى الأنصاري والد محمد من (الضعفاء) (2/304) وقال:( ولا يتابع على أكثر حديثه ومن حديثه ما حدثناه...) وذكر الحديث .
د)- وأخرجه أبو عبد الله الحاكم في النوع (28) من معرفة علوم الحديث : (معرفة الشاذ من الروايات) وقال: (هذا الحديث شاذٌ بمرة فإنَّ رواته ثقات وليس له أصل عن أنس ولا عن غيره من الصحابة بإسناد آخر) .
ففي قول الحاكم أبي عبد الله :
أ)- رواته ثقات عنده .
ب)- لا متابع لهم فيما رووه لا سنداً ولامتناً :
( ليس له أصل عن أنس ) أي : لا متابع لهم في هذا الإسناد .
( ولاعن غيره من الصحابة...) أي :غير أنس فلا شاهد له من متن حديث صحابي آخر.
ج)- ولحال الإسناد من حيث اتصاله وذلك لقوله : (ليس له أصل عن أنس) وعدم وجود الشاهد لقوله : (ولا عن غيره من الصحابة) أدخله مثالاً للشاذ عنده وهو ليس التفرد وإنما التفرد المُحتمل فيه الخطأ .
د)- لذلك جعل تعريفه للشاذ هو وتعريف الإمام الشافعي للشاذ سواء .
ه)- وتعرف الفرق بين استعماله الشاذ التفرد المحتمل الخطأ ومطلق التفرد والذي هو يدخل في نوع معرفة الأفراد تلاحظ هل قرن قوله بالشذوذ إشارة منه لقبوله كالتصحيح أم ذكر الشذوذ فقط كما في أمثلته التي ذكرها لنوع الشاذ .
   وعندما يقرن قوله شاذ بما فيه قبوله فالشذوذ هنا بالمعنى اللغوي وهو الشيء المنفرد .
و)- فقول الحاكم هنا هو تضعيف لحديث أنس هذا للتفرد سنداً ومتناً مما يترشح منه احتمال الخطأ وذلك لأن رواته كلهم ثقات عنده .
ه)- فإذا كان التفرد من قِبَل محمد بن عبد الله الأنصاري كما هو قول الترمذي فهو من أصحاب الطبقة المتأخرة فهو في الطبقة التاسعة فالرواية تكون شديدة الضعف عند الدكتور أحمد الخليل .
ز)- وإذا كان الحديث حديث الأب عبد الله بن المثنى كما هو قول العُقيلي فالظاهر لضعفه عنده وهو من الطبقة السادسة فروايته على الأقل ضعيفة عند الدكتور الخليل لتفرده وتفرد المتقدمين عنده ضعيف .
تبقّى من التدرج في إثبات تقوية المتن بالشاهد ذكر الدليل الثالث :
* الدليل الثالث:
وهو إعلال متن الحديث بمتن آخر صح عن صحابي أو صحابة آخرين أصل في الباب به تُعرف صحة المتن المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وأذكر مثالاً لذلك :
1) - حديث شعبة من حديث وائل بن حُجر:(قال :"آمين" وأخفى بها صوته) :
أ)- خالف ما ثبت في السنة المعلومة من جهر النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بآمين.
ب)- قال الإمام مسلم في (التمييز) (ص68/تحقيق صالح بن احمد بن ثابت ديّان) : (قد تواترت الروايات كلها أن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "جهر بآمين"...).
   2)- حديث أم سلمة : " أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة " .
   أ)- وَهمَ فيه أبو معاوية فخالف السنة المعلومة من أن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى الصبح في حجته يوم النحر بالمزدلفة .
 ب)- قال الإمام مسلم  في(التمييز) (ص88) : (وهذا الخبر وهم من أبي معاوية لا من غيره وذلك أن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى الصبح في حجته يوم النحر بالمزدلفة وتلك سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكيف يأمر أم سلمة أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة وهو حينئذ يصلي بالمزدلفة...) .
3)- حديث : ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فأتى الذي هو خير فهو كفارته ) .
    أ)- وَهمَ يحيى بن عبيد الله في حديثه هذا وخالف فيه السنة المعروفة من أن: ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأتها وليكفر عن يمينه ) .
  ب)- وبين هذه المخالفة الإمام مسلم في(التمييز) (ص136/141رقم17) وختم قوله بـــ :(بمثل هذه الرواية وأشباهها ترك أهل الحديث حديث يحيى بن عبيد الله لا يعتدون به...) .
4)- حديث علي بن مُسهر عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً : (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليُرقه ثم ليغسله سبع مرار ) .
  أ)- أخرجه مسلم(89-279) وابن خزيمة(98)وابن حبان (1296) .
  ب)- تفرّد علي بن مُسهر بقوله : (فليُرقه ) .
     عقب إخراج النسائي لها(66) قال : (لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على قوله:(فليُرقه) .) .
    قال حمزة الكناني : (إنها غير محفوظة) .
   قال ابن عبد البَر : (لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الأعمش كأبي معاوية وشعبة ) .
  قال ابن منده : ( لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوجه من الوجوه إلا عن علي بن مسهر بهذا الإسناد ) (الفتح)(1/275) .
  ج)- علي بن مُسهِر ثقة من الطبقة الثامنة .
  فعلى رأي الدكتور أحمد الخليل هي زيادة شديدة الضعف وهي على شرطه في مستدركه ومع ذلك لم يذكرها فلماذا ؟.
د)- هذه الزيادة صححها الإمام مسلم وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والدارقطني وأبو عوانة .
ه)- لم يذكرها الإمام الحافظ أبو الفضل بن عمار الشهيد في كتابه (علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج /تحقيق وتعليق الشيخ علي الحلبي ) .
تنبيه :  في صورة عنوان الكتاب التي ذكرها الشيخ الفاضل علي بن حسن الحلبي (ص29) جاء العنوان فيها:( علل أحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج ) .
و)- احتج بها محدثوا فقهاء الشافعية كالبيهقي على نجاسة الكلب : ( فالدلالة من الحديث ظاهرة لأنه لو لم يكن نجساً لما أمر بإراقته لأنه يكون حينئذ إتلاف مال وقد نهينا عن إضاعة المال ) قاله النووي في (المجموع) (1/508المكتبة التوفيقية) .
واحتجاجهم بعد عزوهم لصحيح مسلم وبعضهم ينقل معه تصحيح الدارقطني لها فصححوا ثم احتجوا .
ز)- السؤال هنا أين علامة الحديث المنكر التي يدندن بها المفرقون ناسبين ذلك للإمام مسلم في مقدمة صحيحه ؟ .
تفرد علي بن مُسِهر من دون أصحاب الأعمش وبخاصة الثقات وبخاصة الذين شاركوه في رواية هذا الحديث عن الأعمش ؟.
ليس لها أصل عن أبي هريرة ولا شاهد من حديث صحابي آخر معتبر كما هو في قول ابن منده الذي تقدم نقله .
وعلي بن مُسِهر قد ذهب بصره وبعد ذهابه حدث من حفظه فلا يقبل الإمام أحمد من روايته إلا ما وافقه عليه غيره كما في ترجمته من ضعفاء العقيلي و( شرح علل الترمذي) لابن رجب (2/584) .
يا ترى هل سنسمع انتقاداً أن مسلماً أخذ بظاهر الإسناد وبخاصة أن من الذين صححوا هذه الزيادة ابن خزيمة وابن حبان والألباني في (صحيح الجامع) (841).
وهؤلاء عند المفرقين يتبعون ظاهر الإسناد ولا ينتبهون لما فيه من علة بل علل ، يا تُرى هل (فليُرِقه) أزيد من أنه بعد غسل الماء في الإناء لابد من إراقته ؟ .
رواية علي بن مُسهِر: (فليُرقه ثم يغسله) فالغسل بعد الإراقة .
فالإراقة في رواية علي بن مُسهِر حكماً زائداً على الغسل لذلك أتى الغسل في الرواية بعد الإراقة .
  فهل هذا الحكم الزائد يجعل رواية علي بن مُسهر هذه كرواية الحديث المستقل ؟ .
  وإذا اعتبرناه حديثاً مستقلاً فهو لا أصل له يرجع إليه في هذا الباب وهو باب ولوغ الكلب، فعاد الأمر إلى التفرد .
وعدم الشاهد المعتبر كشف هذا التفرد الذي تباين فيه حكم النُّقَّاد قبولاً وإعلالاً .
6)-حديث سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً: ( نِعمُ الأُدُم أو الإدام الخل) .
أ)- أخرجه مسلم (2051) والترمذي في جامعه (1840) وصححه .
ب)- تفرد به سليمان بلال التيمي الثقة :
البخاري :( لم يعرفه إلا من هذا الوجه ) قاله الترمذي في (العلل الكبير) (562).
الترمذي بعد إخراجه قال : (حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث هشام بن عروة إلا من حديث سليمان بن بلال).
ذكره الحافظ ابن عمار الشهيد في (علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج) (ص109-110/تحقيق وتعليق الشيخ علي الحلبي):
( قال أحمد بن صالح: "نظرت في كتب سليمان بن بلال فلم أجد لهذين الحديثين أصلاً ).
وأحد هذين الحديثين :(نِعمَ الإدام الخل) .
ج)- فسليمان بن بلال الثقة : تفرد وهو من أهل الطبقة الثامنة فهو من أهل الطبقات المتأخرة ، وما تفرد به غير موجود في كتبه كما قال الإمام أحمد بن صالح .
والظاهر لذلك قال أبو حاتم :(هذا حديث منكر بهذا الإسناد) (العلل) (2/292/293رقم2384).
د)- فهؤلاء الأئمة يرون أن هذه الرواية غير حقيقية وإنما هي وقعت بسبب وهم من سليمان بن بلال .
ه)- الإمامان مسلم والترمذي صححا حديث سليمان بن بلال هذا كما تقدم .
وتبعهما الإمام النَّقَّاد الذهبي فقال في (سير أعلام النبلاء) (12/230):(هذا حديث صحيح غريب فرد على شرط الشيخين وانفرد به مسلم...) .
وتبعهم الإمام النَّقَّاد ناصر الدين الألباني فصححه في (صحيح الجامع)(6768) .
و)- وبهذا فلم ينزّل الإمام مسلم إحدى علامتي الحديث المنكر حسب فهم المفرقين على تفرد سليمان بن بلال عن هشام بن عروة ولم يقل : ( هشام مكثر فأين أصحاب هشام هنا ؟ ) .
ز)- وكذلك لم يأخذ مسلم ولا الترمذي ولا الذهبي ولا الألباني بنوع إعلال من إعلال  نقاد عصر الرواية وهو أن هذا الحديث ليس في كتبه .
  ح)- عدم أخذهم بما تقدم كان لأمرين :
١)- الاعتماد على ثقة رواة السند وحفظهم .
٢)- سليمان بن بلال يُقبل منه هذا التفرد ولمثله أن يكون له أفراد وغرائب وذلك أن المتن الذي رواه متن معروف من حديث جابر وأشار إلى ذلك الإمام مسلم بإخراج حديث جابر عقب رواية سليمان هذه .
وكذلك الإمام الترمذي في جامعه في ( باب ما جاء في الخل ) أخرج فيه حديث سليمان هذا وحديث جابر وحديث أم هانئ وقال في حديث سليمان :(حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ).
وكذلك الإمام الذهبي حين قال : (حديث صحيح غريب فرد) .
ط)- وفي القولين المتن معروف غير غريب فضلاً أن يكون منكراً وذلك للشاهد له من حديث جابر فيكون : متن حديث جابر قوّى متن حديث عائشة .
متن حديث جابر منع القول بنكارة متن حديث عائشة واقتصرت النكارة على الإسناد .
ي)- وفي الحالتين عدم وجود الشاهد يكشف حال الرواية المُتفرد بها.
وإلى الدليل الرابع في إثبات تقوية المتن بالشاهد :

* الدليل الرابع :
وأمهّد لهذا الدليل بثلاثة أمور كل أمر هو دليل مستقل على هذه التقوية :
      * الأمر الأول :
الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البَردِيجي (ت 301ه) ( أحد الحفاظ المتقدمين المبرزين في العلل ) عند بيانه للحديث المنكر نظر للمتن هل هو متن  يُعرف أم لا يُعرف ؟ :
  أ) ما انفرد به الثقة دون غيره من الثقات أصحاب الحافظ المكثر كقتادة ، هذا التفرد يريب الحافظ البَردِيجي فيدخله في تفرّد مَن لا يُحتمل تفرده وذلك لعدم المتابع ولا الشاهد فلا أصل له لا يُعرف المتن إلا من جهته فهو منكر .
ب) ما انفرد به مَن دون الثقة  - وهم الذين يُطلق عليهم الشيوخ - عن الحافظ المكثر كقتادة هذا التفرد أشد في الريبة من الذي قبله فيدخل في النكارة لأنه عنده ليس في محل مَن يُحتمل تفرده حيث لا أصل لروايته لذلك فمتن حديثه لا يُعرف .
قال الحافظ الَبردِيجي - مُبَيِّنًا ما قلتُه - :( وأما أحاديث قتادة التي يرويها الشيوخ مثل حماد بن سلمة وهمام وأبان و الأوزاعي فينظر في الحديث فإن كان الحديث يُحفظ من غير طريقهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو عن أنس بن مالك من وجه آخر لم يُدفَع وإن كان لا يُعرَفُ عن أحد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من طريق عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرتُ لك كان منكراً ) (شرح علل الترمذي) (1/451/452) و (2/507/508) .
ج)- وإذا تفرّد الثقة و القريب منه بمتن معروف فلا يضره ولا يكون منكراً .
قال الحافظ البَردِيجي :( إذا روى الثقة من طريق صحيح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديثاً لا يُصاب إلا عند الرجل الواحد لم يضره أن لا يرويه غيره إذا كان متن الحديث معروفاً ولا يكون منكراً ولا معلولاً.) (شرح علل الترمذي)(1/452) .
وله : ( لم يضره أن لا يرويه غيره ) أي : لا متابع له .
قوله : ( إذا كان متن الحديث معروفاً ) أي : له أصل يشهد له .
وإذا جعلنا منطوق قوله : ( روى الثقة ...عن رجل من أصحاب النبي...) أنه يقصد النظر لطبقة المتفرد فهذا يؤكد الأمر بأنه لا ينكر على الثقة تفرده المطلق .
لأنه ينظر عند التفرد لحال الراوي وطبقته في الحكم على حديثه بالنكارة .
والمراد هنا هو إثبات أن المتن الشاهد له دور إيجابي عند وجوده وآخر سلبي عند فقدانه .
والدور الإيجابي قطعاً هو التقوية والذي بها تنتفي النكارة .
والدور السلبي هو إظهار النكارة في تفرد من لا يُتحَمل منه هذا التفرد فضلاً عن الراوي الذي هو غير محل للتفرد .
د)- وهذا الذي قاله الحافظ البَردِيجي لا يخرج عما قاله الإمام مسلم في مقدمة صحيحه حين بيّن علامتي الحديث المنكر وضرب بمثل الحافظ المكثر الزهري وعمل بهذا فيما أخرجه من حديث في صحيحه وما سطّره في كتابه (التمييز) ، وإنما اقتصرت على قول البرديجي لِذكره الصريح لمتن الحديث من كونه معروفاً أو غير معروف وتأثيره في الحكم بالنكارة .
ه)- وليظهر ما تقدم نقله عن الحافظ البَردِيجي ؛ أنقل حكمه على حديث بالنكارة وغيرُه يصححه لوقوفه على شاهد له :
حديث عمرو بن عاصم الكلابي حدثنا همام بن يحيى حدثنا إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه قال كنتُ عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءه رجل فقال :يا رسول الله إني أصبتُ حداً فأقمه عليَّ...الحديث .
  1- قال فيه البَرديجي :( هذا عندي حديث منكر وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم) (شرح علل الترمذي) (1/452) .
  2- الحديث أخرجه البخاري (6823) ومسلم (2764) .
  3- وله شاهد من حديث أبي أمامة أخرجه مسلم (2765) عقب حديث أنس .
  4- قال ابن رجب في (شرح علل الترمذي) (1/452) : ( وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من هذا الوجه وخرج مسلم معناه أيضاً من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا شاهد لحديث أنس ) .
   5- قال الحافظ في الفتح (12/133/134) : (وقد طعن الحافظ أبوبكر البرزنجي ( هكذا ) في صحة هذا الخبر مع كون الشيخين اتفقا عليه فقال هو منكر وهم فيه عمرو بن عاصم...لم يبين وجه الوهم وأما إطلاقه كونه منكراً فعلى طريقته في تسمية ما ينفرد به الراوي منكراً إذا لم يكن له متابع لكن يجاب بأنه وإن لم يوجد لهمام ولا لعمرو بن عاصم فيه متابع فشاهده حديث أبي أمامة الذي أشرت إليه ومن ثَمَّ أخرجه مسلم عقبه ) .
   6- وهنا بيّن الحافظ البَردِيجي أن إنكاره قام على وهم عمرو بن عاصم وليس تفرده فقط والشاهد يدفع هذا الوهم .
   ويحتمل أن يكون الوهم عند الحافظ البَردِيجي هو أن الحدّ تكفّره الصلاة لأنه أخذ بظاهر كلمة الحد وهو لم يقف على أصل في السُّنَّة يفيد ذلك وبذلك يكون متن حديث عمرو بن عاصم هذا غير معروف والإمامان البخاري ومسلم يريان غير ذلك للشاهد من حديث أبي أمامة لمتن حديث عمرو بن عاصم فصار المتن معروفاً .
ومن هذا ظهر أن الإمامين البخاري ومسلماً هما على ما عليه الحافظ البَرديجي .
والإمام الدارقطني لم يطعن في حديث عمرو بن عاصم هذا كما طعن في غيره ، و هذا يدل على موافقته لهما .
* الأمر الثاني : مراتب الرواة  :
فالرواة لأسباب بشرية ثم علمية ليسوا في مرتبة واحدة من الحفظ والإتقان ، لذلك وضع لهم النُّقَّاد مراتب من حيث القبول والرد .
واستقر الأمر عندهم على العموم على مراتب ودرجات ثلاثة :
أ)- مرتبة مَن يحتج به .
ب)- مرتبة مَن يُحتج به في المتابعات أو الشواهد .
ج)- مرتبة الترك وعدم الاشتغال بحديثهم .
وفي هذه المراتب دليل نظري وعملي على التقوية بالمتابع والشاهد وذلك في حديث مَن هو في مرتبة مَن يُحتج به في المتابعات والشواهد .
لذلك نجد من قولهم في رواة هذه المرتبة :
أ)- (مع ضعفه يكتب حديثه) .
ب)- (فلان يعتبر به ) .
ومن قولهم في رواة مرتبة الترك :
أ)- ( فلان لا يُكتب حديثه ).
ب)- ( فلان لا يُعتبر به ).
ج)- ( فلان لا يُشتَغل به ).
دليل نظري : وذلك في بيان رأيهم في الراوي من قولهم مثل الذي تقدم :( مع ضعفه يكتب حديثه ) و ( فلان يعتبر به ) .
ودليل عملي : لأن قولهم هذا أتى بعد المقارنة والموازنة والمعارضة لما وقفوا عليه من حديث الراوي فيخرجون من ذلك بأن هذا الراوي لا يحتج به إذا انفرد كما في العلل للترمذي في آخر جامعه .
* الأمر الثالث : طبقات الرواة ومراتبهم في روايتهم عن الحافظ المتقن المكثر:
وضابط ذكر الراوي في إحدى هذه الطبقات هو حفظه وإتقانه لحديث الحافظ المتقن المكثر .
وقد ذكروا من هذه الطبقات والمراتب مرتبة الاعتبار والاستشهاد والاستدلال وهم الذين لا يُحتج بما انفردوا به عن هذا الحافظ المتقن المكثر .
ويسمون هذه الطبقة طبقة المشايخ .
وهم بين طبقة الثقات الذين بهم يُعرف حال غيرهم وطبقة الضعفاء المتروكين .
وقد تقدم نقل قول الحافظ البَردِيجي في رواية الشيوخ عن قتادة والتي لا يوجد لها متابع أو شاهد فيكون متن الرواية منكر لا يُعرَف .
وقد قَسَم الإمام الذهلي أصحاب الزهري إلى طبقات وجعل أصحاب الطبقة الثالثة هم طبقة الشواهد والدلائل كما في ترجمة محمد بن عبدالله بن مسلم ابن أخي الزهري من (الضعفاء) للعقيلي (4/88) .
وهذا فيه دليل نظري وعملي أخص؛ به وبالعام المتقدم  تظهر مرتبة الاستشهاد باعتبارها مرتبة معتبرة ومعتمدة في قبول الحديث ورده عند أئمة نُقَّاد الحديث متقدميهم ومتأخريهم.
* الأمر الرابع :
لذلك اعتمد مرتبة الاستشهاد هذه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما دون نكير عليهما بل ووافقهم مَن عاصرهم ومَن أتى بعدهم ممن قد انتقدهما في غير ذلك .
وأُثبتُ ذلك نظرياً ممَّن يراهم المفرّقون إلى الآن أنهم على منهج المتقدمين :
١)- الإمام الدارقطني في كتابه ( ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عن الثقات عند البخاري ومسلم ) يعتني بذكر مَن أخرجا له أو أحدهما في الشواهد .
٢)- الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتابه ( الجمع بين رجال الصحيحين ) :
ذكر في مقدمة كتابه أنه يبيّن عند ذكره الراوي مَن أوردا حديثه استشهاداً فقال :
(  وأبين مَن أوردا حديثه استشهاداً به ومَن أورداه مقروناً بغيره .. ) .
٣)- الحافظ ابن عبد الهادي في ( الصارم المُنَكَّي ) ذكر أن صاحبي الصحيحين من عادتهما غالباً إذا أخرجا لراوٍ تُكلِّم فيه يخرجان له في الشواهد والمتابعات :
فقال فيه في ( ص256/259 ) : (... وكما يخرج مسلم حديث حماد بن سلمة عن ثابت في الأصول دون الشواهد ويخرج حديثه عن غيره في الشواهد...وهكذا عادة مسلم غالباً إذا روى لرجل قد تُكلِّم فيه ونسب إلى ضعف وسوء حفظ وقلة ضبط إنما يروي له في الشواهد والمتابعات ولا يخرج له شيئاً انفرد به ولم يتابع عليه ).
٤)- الحافظ ابن رجب في ( شرح علل الترمذي )(2/708/710) نصَّ على أن إخراج صاحبي الصحيحين لمن تُكلِّم فيه متابعة أو استشهاداً هو أمر معلوم ؛ حيث قال فيه :(  اعلم أنه قد يخرج في الصحيح لبعض من تُكلِّم فيه إما متابعة أو استشهاداً وذلك معلوم...) .
٥)- العلامة المعلمي في ( التنكيل ) في أكثر من موضع ومن ذلك في (1/457) قال:( بل صاحب الصحيح نفسه قد يخرج في المتابعات والشواهد لمن لا يوثقه وهذا أمر معروف عند أهل الفن ) .
  * الدليل الخامس  :
أمثلة لاعتماد الإمام البخاري للشاهد في صحيحه :
١)- حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبدالله بن مسعود : ( أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار...الحديث ) .
أ)- أخرجه البخاري (156) .
ب)- أخرج ما يشهد له من حديث أبي هريرة (155) .
ج)- نص على ذلك الحافظ فقال في مقدمة الفتح (ص349) : (وقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة ما يشهد لصحة حديث ابن مسعود فازداد قوة بذلك).
ثم قال بعد ذلك :
( فَأنْظر إِلَى هَذَا الحَدِيث كَيفَ حكم عَلَيْهِ بالمرجوحية مثل أبي حَاتِم وَأبي زرْعَة وهما إِمَامًا التَّعْلِيل وتبعهما التِّرْمِذِيّ وَتوقف الدَّارمِيّ وَحكم عَلَيْهِ بالتدليس الْمُوجب للانقطاع أَبُو أَيُّوب الشاذكوني، وَمَعَ ذَلِك فَتبين بالتنقيب والتتبع التَّام أَن الصَّوَاب فِي الحكم لَهُ بالراجحية فَمَا ظَنك بِمَا يَدعِيهِ من هُوَ دون هَؤُلَاءِ الْحفاظ النقاد من الْعِلَل هَل يسوغ أَن يقبل مِنْهُم فِي حق مثل هَذَا الإِمَام مُسلما كلا وَالله وَالله الْمُوفق ).
الإمام البخاري يخالف كبار الأئمة النُّقَّاد في زمانه .
هنا أسأل الأخ : هذه المخالفة منهجية أم تطبيقية ؟ .
إذا قال  تطبيقية ؛ فيكون الحافظ عندما رجَّح حكم البخاري فهو على طريقة الأئمة النُّقَّاد المتقدمين منهجاً وتطبيقاً ؟ .
وإذا سلَّم بهذا فماذا سيقول إذا علم أن الإمام النَّقَّاد ناصر الدين الألباني يصحح حديث عبدالله بن مسعود هذا ؟ .
٢)- حديث إبراهيم بن سُويد حدثني عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب أخبرني سعيد بن جبير حدثني ابن عباس رضي الله عنهما أنه دفع مع النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم عرفة ... وقال: أيها الناس عليكم بالسكينة ...الحديث .
أ)- أخرجه البخاري (1671): (باب أمر النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالسكينة عند الإفاضة ...) .
ب)- إبراهيم بن سُويد بن حيان نقل الحافظ في مقدمة الفتح (ص388) وفي ترجمته من (تهذيب التهذيب) قول ابن حبان فيه : (ربما أتى بمناكير).
ج)- حديثه هذا له شاهد من حديث جابر عند مسلم (1218) والترمذي (886) وقال: (حديث جابر حديث حسن صحيح) ومن حديث عليٍّ عند أبي داود (1922) والترمذي (885) وقال: ( حديث علي حديث حسن صحيح لا نعرفه من حديث عليّ إلا من هذا الوجه ).
د)- نصّ على ذلك الحافظ فقال في مقدمة الفتح (ص388) : (روى له البخاري حديثاً واحداً  في الحج من روايته عن عمرو بن أبي عمرو...ولهذا المتن شواهد..) .
ه)- وبعد أن نقل قول ابن حبان: (وربما أتى بمناكير  ) ؛ قال: ( قد أوضحنا أن الذي أخرج له البخاري غير منكر ) .
و)- وبذلك ظهر أن الشاهد جعل حديث إبراهيم بن سُويد هذا لا يدخل في قول ابن حبان السابق ولذلك أخرجه البخاري في صحيحه .
 ٣)- حديث حَرَمي بن عمارة حدثنا شعبة عن مَعبَد أنه سمع حارثة بن وهب يقول :
" سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذكر الحوض فقال: كما بين المدينة وصنعاء " .
أ)- أخرجه البخاري (6591) وذكر بعده متابعة ابن عدي لحَرَمي عن شعبة وهي عند مسلم (2298) .
ب)- في ترجمة حَرَمي بن عمارة من الضعفاء للعقيلي نقل عن الإمام أحمد إنكاره لحديث حَرَمي عن شعبة هذا .
ج)- ثم قال العقيلي : ( أنكره من حديث شعبة وهو معروف من حديث الناس ) .
د)- وتابعهما بكر بن بكر عند ابن أبي عاصم في (السنة) (730) .
ه)- فالإمام البخاري وكذلك مسلم يريان أن حديث حَرَمي هذا معروف وذلك لأمرين:
الأول : المتابعة لحَرَمي في الإسناد.    الآخر : الشواهد .
و)- ونصّ على الأخير الحافظ فقال في مقدمة الفتح (ص396) :
(حديث الحوض هذا أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديثه وللحديث شواهد..) .
ز)- وقد أشار الإمام الترمذي في ( باب ما جاء في صفة أواني الحوض ) لبعض هذه الشواهد - وذكر فيه حديث حارثة بن وهب شاهداً لحديثي الباب - فقال:( وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وعبدالله بن عمرو وأبي بَرزَةَ الأسلمي وابن عمر وحارثة بن وهب والمستورد بن شداد ) .
ح)- فالإمام العُقَيلي من قوله : (أنكره من حديث شعبة وهو معروف من حديث الناس ) يشير إلى أن النكارة هي في الإسناد فقط وأما المتن فهو معروف وبذلك تكون الشواهد منعت من حكم الإمام أحمد والعقيلي على المتن بالنكارة أيضاً وبقي إنكارهما للإسناد فقط لأنه ليس موجوداً عند تلاميذ شعبة الثقات .
ط)- واعتماد البخاري للمتابعة التي ذكرها والشواهد التي تدل على حفظ المتن والإسناد ليس مما يسلك به الجادة وشعبة مكثر غير مستغرب أن يروي هذا الإسناد وبخاصة أنه إسناد كوفي ومعلوم معرفة شعبة بحديث أهل العراق وتفتيشه له .
قد قَبِل البخاري تفرَّد شعبة بإسناد كما في (3409) واعتبره الحافظ من غرائب حديث شعبة كما في الفتح (6/712) .
٤)- حديث عبد الرحمن بن أبي الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن :إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول:... الحديث ) .
أ)- أخرجه البخاري (1162،6382) .
وأخرجه في (7390) وفيه :( عبدالرحمن بن أبي الموالي قال سمعت محمد بن المنكدر يُحدِّث عبدَ بن الحسن يقول أخبرني جابر...الحديث ).
وفي ترجمة عبدالرحمن من ( التاريخ الكبير ) قال : (سمع ابن المنكدر..).
ب)- أنكر الإمام أحمد هذا الحديث على عبدالرحمن هذا فقال : (يروي حديثاً لابن المنكدر عن جابر عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الاستخارة ليس يرويه غيره هو منكر ) .
ثم بيَّن ذلك فقال : (أهل المدينة إذا كان حديث غلط يقولون ابن المنكدر عن جابر وأهل البصرة يقولون ثابت عن أنس يحيلون عليهما ) كما في ترجمة عبدالرحمن من (الكامل) لابن عدي .
وبيّن الحافظ ابن رجب مراد الإمام من قوله هذا فقال في ( شرح علل الترمذي ) (2/502) :( ومراد أحمد بهذا كثرة من يروي عن ابن المنكدر من ضعفاء أهل المدينة وكثرة من يروي عن ثابت من ضعفاء أهل البصرة...ولما اشتهرت رواية ابن المنكدر عن جابر ورواية ثابت عن أنس صار كل ضعيف وسيء الحفظ إذا روى حديثاً عن          ابن المنكدر يجعله عن جابر عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن رواه عن ثابت جعله عن أنس عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا معنى كلام الإمام أحمد ...)
ففي قول الإمام أحمد هذا : تفرّد عبدالرحمن بن أبي الموال بهذا عن ابن المنكدر فقال : ( ليس يرويه أحدٌ غيره...ليس يرويه غيره ) .
هذا التفرُّد منكر لأن عبدالرحمن في مرتبة :( لا بأس به ) ولم يشاركه فيه أحد من أصحاب ابن المنكدر وبخاصة أن ابن المنكدر يروي عن جابر أمراً مُهمّاً تتوافر الدواعي إلى نقله فلا يروه عنه غير عبدالرحمن لذلك فالأقرب أن عبدالرحمن لم يسمع هذا من ابن المنكدر وإنما سلك الجادة التي يسلكها أهل المدينة ابن المنكدر عن جابر.
الإمام البخاري قَبِل حديث عبدالرحمن بن أبي المَوَال هذا وأدخله في صحيحه .
حال عبدالرحمن عند البخاري أنه ثقة لإخراجه له في صحيحه .
عبدالرحمن سمع من ابن المنكدر كما تقدم ذكر ذلك بل إن أحمد أخرج حديث عبدالرحمن هذا في مسنده (14642) وفيه تصريحه بالتحديث عن ابن المنكدر : ( عبدالرحمن بن أبي الموال المدني ثنا محمد بن المنكدر عن جابر ) وكذلك أخرجه أبوداود(1538) : ( حدثني محمد بن المنكدر..) .
وبهذا صار ظاهر الإسناد صحيحاً وتَمَّ تثبيت ذلك من أن متن الحديث له شواهد فصار الحديث مستقيم السند والمتن .
لذلك اعتمد هذا الحديث غير واحد من الأئمة في عصر الإمام البخاري وبعده فقبلوه وصححوه :
-  فقد أخرجه الترمذي في جامعه (480) وقال : (حديث جابر حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث عبدالرحمن بن أبي المَوَالي وهو شيخ مديني ثقة ...) .
  والترمذي أخرجه في (باب ما جاء في صلاة الاستخارة) وقال : (وفي الباب عن عبدالله بن مسعود وأبي أيوب ) .
-  الحافظ ابن عدي ردّ قول الإمام أحمد بالنكارة للشواهد لمتن حديث جابر، حيث نقل إنكار الإمام أحمد لهذا الحديث وفي ختام ترجمة عبدالرحمن قال :          
( ولعبدالرحمن بن أبي الموال أحاديث غير ما ذكرت وهو مستقيم الحديث والذي أنكر عليه حديث الاستخارة وقد روى حديث الاستخارة غير واحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما رواه ابن أبي الموال.) .
فقول ابن عدي : (مستقيم الحديث) ليس فيه نفي النكارة عن حديثه فقط بل وفيه تقويتها ومنها حديث الاستخارة .
حديث الاستخارة هذا صرح عبدالرحمن بسماعه فيه من ابن المنكدر أخرجه أحمد في مسنده كما تقدم ، فهل بثبوت السماع ارتفع دليل النكارة عند أحمد لذلك أخرجه في مسنده ؟ أم أن الإمام أحمد يخرّج في مسنده ما هو منكر عنده ؟ .
فإذا كان الثاني فأين قوله : (المنكر أبداً منكر) ؟.
ثم كيف إذا علمنا أن الشواهد لمتن حديث عبدالرحمن بن أبي الموال ليس فيها ما يشهد لجملة :( فليركع ركعتين من غير الفريضة ) ؟ .
قال الحافظ في(الفتح) (11/184) :( فالتقييد بركعتين خاص بحديث جابر ).
٥)- حديث أبي سفيان الحِميَري سعيد بن يحيى بن مهدي حدثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة رفعه - وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان - :" يقال لجهنم هل امتلأت ؟ وتقول : هل من مزيد ؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول : قط قط ) .
أخرجه البخاري (4849) في  باب : (وتقول هل من مزيد) .
سعيد بن يحيى تكلم فيه الدارقطني فقال : ( كان متوسط الحال ليس بالقوي ).
أخرج البخاري لحديثه هذا في الباب شاهداً قبله من حديث أنس .
قال الحافظ في مقدمة الفتح (ص407):( له في الصحيح حديث واحد...من روايته عن عوف عن محمد سيرين وله شاهد ).
وعندما أخرج الترمذي في جامعه (3272) حديث أنس قال:( وفيه عن أبي هريرة ) .
٦)- حديث ابن أخي ابن شهاب (محمد بن عبدالله  بن مسلم بن عبيد الله بن عبدالله بن شهاب ) عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله قال :"سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : كل أمتي مُعافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملتُ البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربُّه ويُصبح يكشف ستر الله عنه ) .
أخرجه البخاري (6069) في ( باب ستر المؤمن على نفسه ) .
ابن أخي الزهري : (ذكره الذهلي في الطبقة الثانية من أصحاب الزهري مع أسامة بن زيد ومحمد بن إسحاق وأبي أويس و فُليح وعبدالرحمن بن إسحاق وهؤلاء كلهم في رجال الضعف والاضطراب ) (الضعفاء) للعقيلي ترجمة ابن أخي الزهري .
ثم قال العُقَيلي :( وقد روى ابن أخي الزهري ثلاثة أحاديث لم نجد لها أصلاً عند الطبقة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة منها ما حدثنا ...ابن أخي ابن شهاب عن عمه ...كل أمتي مُعافى...الحديث ) .
وفي ترجمة مُبشَّر السعيدي من (الضعفاء) أخرج العُقَيلي الحديث من طريق مُبشَّر هذا عن الزهري وقال:( تابعه ابن أخي الزهري فلم يتابعهما من أصحاب الزهري أحد).
فالعُقَيلي يُعلُّ هذا الحديث بتفرَّد ابن أخي الزهري، وذلك من حال روايته عن الزهري خاصة ثم زاد قوة الإعلال أنه لم يتابعه عليه أحد من أصحاب الزهري من جميع الطبقات ومَن تابعه وهو مُبشَّر لا يُعرف أنه من أصحاب الزهري .
الإمام البخاري قَبِل حديث ابن أخي الزهري هذا وأخرجه في صحيحه .
والظاهر أنه ينظر لابن أخي الزهري بأنه يحتمل منه هذا التفرد باعتباره من آل الزهري بل وزوج ابنته والرجل أعلم بحديث أهل بيته كما لاحظ ذلك حين حكم لرواية يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى عن أبي إسحاق الموصولة في حديث :( لا نكاح إلا بولي ) كما في(النكت) للحافظ (2/606/607) .
وقد أخرج عقب حديث ابن أخي الزهري شاهداً لمعنى المتن الذي رواه وذلك من حديث ابن عمر لذلك أخرج هذين الحديثين تحت ما بوّب به : (ستر المؤمن على   نفسه ) .
ثم هناك حديث مرسل هو في موطأ مالك و أخرجه البيهقي من طريق الشافعي عن مالك عن زيد بن أسلم وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :(... فمن أصاب منكم من هذه القاذورة شيئًا فليستتر بستر الله..) أخرجه البيهقي في ( باب ما جاء في صفة السوط والضرب ) وفي (باب ما جاء في الاستتار بستر الله ) عقب حديث ابن أخي الزهري من ( السنن الكبرى ) .
فهل اعتمده الإمام البخاري أيضاً لتقوية متن حديث ابن أخي الزهري مع ما تقدم من حديث ابن عمر ؟.
وهذا المسلك سلكه الإمام مسلم حين أخرج حديث ابن أخي الزهري في صحيحه (2990) .
والإمام الدارقطني لم يذكره في التتبع .
وكذا الحافظ ابن عمار الشهيد لم يذكره في ( علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج ).
٧)- حديث يحيى بن أبي إسحاق حدثنا عبدالرحمن بن أبي بكرة قال : قال أبو بكرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواءً بسواءٍ ...الحديث ) .
 أخرجه البخاري (2175) بمفرده في (باب بيع الذهب بالذهب) و(2182) بمفرده في (باب بيع الذهب بالوَرِق يدًا بيد) .
 يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي ذكره العُقَيلي في الضعفاء ونقل فيه قول الإمام أحمد : ( في حديثه نكارة ).
 حديث يحيى هذا له شواهد عند البخاري من حديث عمر (2174) ومن حديث أبي سعيد (2176،2177) وغيرها .
 ومن حديث عبادة بن الصامت عند مسلم (81-1587) .
 نصَّ على ذلك الحافظ فقال في مقدمة الفتح (ص450):( له في البخاري حديثه عن أنس...وحديثه عن عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه في الربا وقد توبع عليها عنده سوى حديث أبي بكرة فله عنده شواهد..).
ولهذه الشواهد وغيرها أخرج مسلم حديثه هذا في صحيحه (1590).
وقد أخرج أحمد في مسنده حديث يحيى بن أبي إسحاق (20274،28375).
فهل لهذه الشواهد خرج حديث يحيى هذا من قول الإمام أحمد فيه :( في حديثه مناكير ) ؟ أم أن الإمام أحمد يخرج في مسنده ما هو منكر عنده ؟.
الإمام الترمذي بعد إخراجه حديث أبي سعيد :( لا تبيعوا الذهب بالذهب...الحديث) في جامعه (1241) قال :(وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبي هريرة ... وأبي بكرة ...) .
٨)- حديث يوسف بن يزيد البرَّاء قال حدثني عبيدالله بن الأخنس أبو مالك عن ابن أبي مُليكة عن ابن عباس في قصة الرقية بالفاتحة .
أخرجه البخاري (5737) بمفرده في (باب الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب) .
يوسف بن يزيد البرَّاء : ضعفه ابن معين وقال فيه أبو حاتم : ( يكتب حديثه) .
لحديث يوسف هذا شاهد عنده من حديث أبي سعيد (2276) .
نص على هذا الحافظ فقال في مقدمة الفتح (ص454) : ( له في البخاري ثلاثة أحاديث أحدها عن عبيد الله بن الأخنس ...عن ابن عباس في قصة الرقية بفاتحة الكتاب وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري ).
فالبخاري أَمِن من سبب كلام بعض النُّقَّاد في حفظ يوسف البرَّاء بشاهد حديث أبي سعيد للواقعة أو القصة التي رواها والذي دلّ على حفظه لهذه الواقعة أو القصة وساقها سياقاً جعل روايته هذه لا تدخل في قول ابن معين وأبي حاتم فيه .

* الدليل السادس :
     أمثلة لتقوية المتن بالشاهد من صحيح مسلم :
١)- حديث يزيد بن زُريع حدثني خالدٌ الحذَّاء عن أبي مَعشَرٍ عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله بن مسعود مرفوعاً : ( لِيَلِنِي منكم أولوا الأحلام والنُّهى ثم الذين يلونهم ثلاثاً وإياكم وهَيشات الأسواق) .
أخرجه مسلم (123-432) .
قال فيه الإمام أحمد : (حديث منكر) .
وبيَّن الحافظ ابن عمار الشهيد مراد الإمام أحمد من قوله هذا فقال في ( علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج ) (ص81رقم12/تحقيق وتعليق الشيخ علي بن حسن الحلبي ) : ( وإنما أنكره أحمد بن حنبل من هذا الطريق فأما حديث أبي مسعود الأنصاري فهو صحيح ) .
وكأن البزار أشار إلى سبب حكم الإمام أحمد بالنكارة عندما قال في مسنده (4/347رقم 1544) : ( وهذا الحديث بهذا اللفظ لا أعلم رواه عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله إلا أبو معشر ولا عن أبي معشر إلا خالد الحذاء ).
ففيه تفرد أبي معشر زياد بن كليب عن إبراهيم النخعي وتفرد خالد الحذَّاء عن أبي معشر .
وهما لا يُتَحمل منهما هذا التفرد وبخاصة أبي معشر حيث لم يشاركه أحدٌ من أصحاب إبراهيم النخعي وقد قال فيه أبو حاتم :( هو من قدماء أصحاب إبراهيم وليس بالمتين في حفظه ) ( الجرح والتعديل ) (3/542) .
الإمام مسلم نظر إلى : استقامة السند من حيث رواته الثقات الذين لا يدخل أحدٌ منهم في علامتي معرفة الحديث المنكر اللتين بيّنهما في مقدمة صحيحه وفي كتابه التمييز .
وكذا من حيث تحملهم الحديث وأدائهم له .
وبخصوص أبي معشر فهو من أصحاب إبراهيم النخعي الذين يُحتمل منه أن يُغرب ويتفرَّد عن النخعي دون أصحابه الآخرين لأنه يدخل في قوله في مقدمة صحيحه : ( لأن حكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم إذا وُجِد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قُبِلت زيادتُه ) .
لذلك أخرج لأبي معشر ما تفرَّد به عن النخعي .
وقوَّى استقامة السند استقامة المتن حيث صح ما يشهد له .
وأحد هذه الشواهد وهو حديث أبي مسعود الأنصاري : (...ليلني منكم أولوا الأحلام والنُّهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وهو عند مسلم (432) أخرجه في الباب قبل حديث ابن مسعود .
وجملة : ( وإياكم وهَيشات الأسواق ) هي جملة معناها صحيح ولها أصل صحيح في باب رفع الأصوات في المسجد ومما يشهد لها قول الخليفة الراشد عمر للرجلين من أهل الطائف:( لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) البخاري (470) .
وكأنه لما تقدم عندما سأل الترمذيُّ البخاريَّ عن هذا الحديث أجاب بقوله : ( أرجو أن يكون محفوظاً ) ( العلل الكبير ) ( رقم94 ) .
لذلك بعدما أخرجه الترمذي في جامعه (228) بمفرده في (باب ما جاء ليليني منكم أولوا الأحلام والنُّهى ) قال: (وفي الباب عن أُبيِّ بن كعب وأبي مسعود وأبي سعيد والبراء وأنس حديث ابن مسعود حديث حسن غريب) كما في تحفة الأشراف وفي تحقيق الإمام أحمد محمد شاكر:(حديث حسن صحيح غريب) .
وتبع الإمامَ مسلماً في تصحيحه ممن صنف في الصحيح : ابنُ خزيمة (1572) وابن حبان ( 2180) .
وبيَّن ذلك الحافظ ابن سيد الناس فقال :( إنه صحيح لثقة رواته وكثرة الشواهد ولذلك حكم مسلم بصحته وأما غرابته فليست تنافي الصحة في بعض الأحيان) ( نيل الأوطار ) (3/181).
وفوق ما تقدم إخراج الإمام أحمد حديث ابن مسعود هذا سنداً ومتناً في مسنده (4373):
فهل رجع الإمام أحمد لما تقدم بيانه عن حكمه بالنكارة أم أن الإمام أحمد يخرج في مسنده ما هو منكر عنده وهو القائل:(المنكر أبداً منكر) .
٢)- حديث أبي كُريب عن أبي أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعاً: (المؤمن يأكل في معاء واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء ) .
أخرجه مسلم (2062) .
لم يروه غير أبي كُريب محمد بن العلاء قاله أحمد والبخاري وأبو زرعة وغيرهم كما في (شرح علل الترمذي) (1/441) .
وكأن الترمذي اعتمد المتابعة لأبي كُريب فجعله تفرّد به أبو أسامة عن بريد كما في (العلل) آخر الجامع .
الإمام مسلم نظر إلى : استقامة السند -كما تقدم بيانه - بل كما في (تحفة الأشراف) أن هذه الطريق : ( أبو كُريب عن أبي أسامة عن...الخ السند ) أخرج البخاري ومسلم بها أكثر من عشرين حديثاً وبذلك تكون هذه الطريق مسلوكة معروفة فلا يُستنكر أن يُغرب أو يتفرد أبو كُريب عن أبي أسامة ولا أبو أسامة عن بريد .
وذلك لأنهما يدخلان في قوله المتقدم نقله من مقدمة صحيحه : (...وأمعن في ذلك على الموافقة لهم فإذا وُجِد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه قُبِلت زيادته ) .
وقوَّى استقامة السند أن متنه معروف له أصل في الباب يشهد له .
ومن هذه الشواهد شواهد أخرجها مسلم في صحيحه في الباب قبله :
حديث ابن عمر (2060) وحديث جابر وابن عمر(2061) وبعده حديث أبي هريرة (2063) وفيه : (يشرب) .
وبعد أن أخرج الترمذي في جامعه (1818)حديث ابن عمر تحت (باب ما جاء في أن المؤمن يأكل في مِعَىً واحد و الكافر يأكل في سبعة أمعَاءٍ ) قال :
( هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وأبي نَضرَة الغِفاري وأبي موسى وجَهجَاه الغِفاري وميمونة وعبدالله بن عَمرو ) .
وعند بيانه للحديث الغريب في كتابه العلل آخر جامعه ذكر الترمذي حديث أبي موسى هذا والذي ذكره من أحاديث الباب ثم قال : ( هذا حديث غريب من هذا الوجه من قِبَلِ إسناده وقد رُوي من غير وجه عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما يُستغرب من حديث أبي موسى ...) .
وتَبِع الإمام مسلماً على ذلك الإمام ابن حبان فأخرج حديث أبي موسى هذا في صحيحه (5239) .
٣)- حديث سليمان التَّيمِي عن قتادة عن يونس بن جُبير عن حِطَّان بن عبدالله الرَّقاشي عن أبي موسى مرفوعاً :(...وإذا قرأ فأنصتوا..).
أخرجه مسلم (63-404) .
(وإذا قرأ فأنصتوا) زيادة غير محفوظة تفرَّد بها سليمان بن طَرخان التَّيمي عن قتادة لذلك أنكر هذه اللفظة غير واحد من الأئمة النُّقَّاد كابن معين وأبي حاتم وأبي داود والأثرم وابن عمار الشهيد والدارقطني .
وذلك لأن أصحاب قتادة الثقات اشتركوا مع سليمان التَّيمي في رواية هذا الحديث وفيهم مَن هم أحفظ أصحاب قتادة كسعيد بن أبي عروبة وهشام الدَّستوائي ، فانفرد سليمان التَّيمي دونهم بهذه الزيادة .
وسليمان التَّيمي تكلم بعضهم في روايته عن قتادة خاصة كما في (شرح علل الترمذي) (2/631) .
لكن قَبِل هذه الزيادة الإمام أحمد كما في (الفتاوى) لابن تيمية (22/340) و(المحرر في الحديث) لابن عبد الهادي (رقم233) ، والإمام مسلم لإخراجه في صحيحه وتصريحه بتصحيحها وذلك للآتي :
استقامة السند وبخاصة حفظ سليمان التَّيمي وأنه يُحتمل منه التفرد بهذه الزيادة لكونه يدخل في قوله السابق في مقدمة صحيحه : (...وأمعن في ذلك على الموافقة لهم فإذا وُجِد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قُبِلت زيادته ) .
وصرّح بذلك في الإجابة عن سؤال أبي بكر ابن أخت أبي النَّضر عن هذا الحديث أي : الطعن والقدح في هذه الزيادة ، فقال : ( تُريد أحفظ من سليمان ) كما نقله راوي الصحيح أبو إسحاق بعد الحديث رقم (404) .
وقوَّى استقامة السند والأمن من وهم سليمان التَّيمي في هذه الزيادة وجودُ أصل يرجع إليه في بابه وذلك بأن شهد له حديث أبي هريرة وهو صحيح عند الإمام أحمد وكذلك عند مسلم وصرح بصحته في إجابته عن سؤال أبي بكر ابن أخت أبي النَّضر عن صحة حديث حين قال: (فحديث أبي  هريرة هو صحيح ؟ فقال الإمام مسلم : هو عندي صحيح فقال : لِمَ لَم تَضَعه ههنا ؟ قال : ليس كل شيء عندي صحيح وضعتُه ههنا إنما وضعتُ ههنا ما أجمعوا عليه ) .
وتبع الإمام أحمد ومسلماً على تصحيحهما لزيادة سليمان التَّيمي هذه الحافظ ابن عبدالبَر في (التمهيد) (3/181/182) و المنذري في (مختصر سنن أبي داود) (1/313) وابن تيمية في الفتاوى (22/259) والزيلعي في (نصب الراية) (1/237) وابن كثير احتج بها لصحتها كما في تفسيره لآية الأعراف (وإذا قُرئَ القران فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرحمون ) وابن حجر العسقلاني في الفتح (2/283)  وناصر الدين الألباني في الإرواء (2/37/38رقم332) .
بعد الصحيحين أنتقل إلى  :
* الدليل السابع :
وهو جامع الإمام الترمذي :
تفاوت الرواة في الحفظ والضبط أمر واقع له أسبابه البشرية وكذلك العلمية .
لذلك أحياناً الراوي الثقة إذا تفرّد بشيء ظُنَّ فيه الخطأ ليس لتفرُّده فقط وإنما لِمَا تفرَّد به أيضاً - وذلك لأن جميع النُّقَّاد يقبلون حديث الواحد ولا يشترطون له المتابع -فيأتي المُتابِع المُعتَبر أو الشاهد المُعتَبَر لدفع هذا الظنّ .
أما الراوي الضعيف الحفظ الذي تُكَلِّم فيه بسبب كثرة خطئه فمثل هؤلاء ليس كل حديثهم ضعيفاً مردوداً .
لذلك كان الأصل في تمييز حديثهم المقبول من المردود هو المُتابِع المُعتَبَر أو الشاهد المُعتَبَر وذلك لأن الأصل في روايتهم هو رد ما تفرَّدوا به .
قال الإمام الترمذي في كتابه العلل آخر جامعه: (...وكذلك مَن تكلم من أهل العلم في مُجالد بن سعيد و عبدالله بن لَهِيعة وغيرهما إنما تكلموا فيهم من قِبَلِ حفظهم وكثرة خطئهم وقد روى عنهم غير واحد من الأئمة فإذا تفرد أحدٌ من هؤلاء بحديثٍ ولم يُتابَع عليه لم يُحتجَّ به كما قال أحمد بن حنبل : ابن أبي ليلى لايُحتجُّ به إنما عَنَى إذا تفرّد بالشيء وأشدُّ ما يكون هذا إذا لم يحفظ الإسناد فزاد في الإسناد أو نَقص أو غيَّر الإسناد أو جاء بما يَتَغيَّر فيه المعنى فأمّا مَن أقام الإسناد وحفظه وغيَّر اللفظ فإن هذا واسع عند أهل العلم إذا لم يَتغيَّر به المعنى).
وهنا تظهر أهمية المُتابِع أو الشاهد وقيمتهما في قبول أو رد حديث الراوي الذي لايُحتَجُّ بما تفرّد به .
ولهذه الأهمية أتى التصريح بذلك من قِبل الإمام الترمذي بشرط ذلك في قبول حديث مَن هذا حاله ولا يُشترط ذلك في قبول حديث الثقة :
حين قال في العلل في آخر جامعه :
 ( وما ذكرنا في هذا الكتاب" حديث حسن" فإنما أردنا حُسن إسناده عندنا كل حديث يُروى لا يكون في إسناده مَن يُتَّهم بالكذب ولا يكون الحديثُ شاذًّا ويُروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديثٌ حسن ) .
وبهذا بيَّن الإمام الترمذي لقارئ كتابه الجامع أنه إذا وجد فيه في أحد أحاديثه راوياً لا يُحتجُّ به فقد أرشده بأنه قَبِل حديث هذا الراوي فحكم له بالحُسن الاصطلاحي إسناداً ومتناً لأنه : (لم يكن شاذًّا ورُوي من غير وجه نحوه).
وهذان شرطان لا علاقة لهما بمعنى الحسن لُغة .
ومراعاة لاحتمال وجود مخالفته لحكمه بالحُسن جعل هذا الحكم خاصًّا به في جامعه فقال: (..فإنما أردنا حُسن إسناده عندنا...فهو عندنا حديثٌ حسن ) .
وبيان مراد الإمام الترمذي أنقله ممن يُصنَّف إلى الآن أنه على منهج المتقدمين وهو الحافظ ابن رجب الحنبلي :
فقد قال في(شرح علل الترمذي) (1/384/تحقيق العتر) : ( فعلى ما ذكره الترمذي :كلُّ ما كان في إسناده متهم فليس بحسن وما عداه فهو حسن بشرط أن لا يكون شاذاً -والظاهر أنه أراد بالشاذ ما قاله الشافعي وهو أن يروي الثقات عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلافه وبشرط أن يُروَى نحوه من غير وجه يعني أن يُروَى معنى ذلك الحديث من وجوه أخر عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بغير ذلك الإسناد).
ففي هذا القول :
وجود شرط الشاهد في تحسين الترمذي:(وبشرط أن يُروَى نحوه من غير وجه يعني أن يُروَى معنى ذلك الحديث وجوه أخر عن النبيِّ صلى الله عليه وعلي آله وسلم بغير ذلك الإسناد ).
ذكر ابن رجب شرطين للحسن عند الترمذي مع شرط عدم تهمة الراوي : (بشرط أن لا يكون شاذاً...وبشرط أن يُروَى نحوه...).
وهذان الشرطان جمعهما الدكتور حمزة المليباري في كتابه (الموازنة) (ص 105/106) وجعلهما شرطاً واحداً وخرج بعد ذلك بنتيجة : ( وبذلك يكون لتحسين الإمام الترمذي مغزى آخر غير الذي يهدف إليه الكثيرون من المعاصرين من تحسين الحديث وهو زوال الشذوذ عن المتن بالطريقة التي بينتها آنفاً ولذا فما يحسنه في سننه لا يلزم أن يكون صالحاً للاحتجاج به دوماً).
هل نسي الدكتور المليباري أن من شرط الحديث الذي يصح تقويته عند الناقد ألا يكون شاذًّا أي : خطأ عنده ؟ .
وأن الحديث الشاذ أي : الخطأ لا يُقوَّى ولا يتقوَّى عند القائل به مهما رُوي من غير وجه ؟ .
لأجل المغزى الذي يريد تحقيقه الدكتور المليباري أطاح ببيان وفهم الحافظ ابن رجب الذي اتفق المفرّقون إلى الآن أنه على منهج أهل الحديث المتقدمين .
والدكتور المليباري في مسألة إعلال تفرد الثقة نقل قول الحافظ ابن رجب في ذلك وعقبه أثنى عليه في (الموازنة) (ص75) فقال: (إنه تلخيص نفيس لمنهج المحدثين النقاد فيما يتعلق بتفرد الثقات وهو أمر واقعي يلمسه كل مَن دقّق النظر في ذلك المنهج ومارسه حق الممارسة فقد أفادنا الحافظ ابن رجب...) .
ولا تعليق على هذا غير أن بيان الحافظ ابن رجب لشروط الحديث الحسن عند الترمذي بيانٌ غير نفيس لأنه ضد مغزى الدكتور المليباري .
ففي الواقع الدكتور المليباري هو الحَكَم فيمَن يفهم منهج المتقدمين لأنه القائل : ( وهو أمر واقعي يلمسه كل من دقَّق النظر في ذلك المنهج ومارسه حق الممارسة )  فغفرانك .
فقول ابن رجب في إعلال تفرد الثقة : (تلخيص نفيس...) .
وفي بيان ابن رجب لشروط الحديث الحسن عند الترمذي ....
وقول الحافظ ابن رجب في إعلال تفرد الثقة وفرح الدكتور المليباري وغيره به ؛  قد بينتُ ما فيه في موضوع سبق وذلك في بيان أن نُّقَّاد الحديث المتقدمين والمتأخرين لا يُعِلُّون تفرَّد الثقة بمجرد التفرُّد إنما لأنه مع تفرُّده غلب على ظنهم أن في روايته هذه ما يُوجب إعلالها
ولإثبات أن : (يُروى من غير وجه نحو ذلك) عند الحافظ ابن رجب هو للاعتضاد أي : التقوية وليس لزوال الشذوذ بل الشاذ لا يصلح للاعتضاد ثم ليس بعد الاعتضاد غير الاحتجاج :
قال فيه في (1/387/388) : ( وقول الترمذي رحمه الله :" يُروَى من غير وجه نحو ذلك ولم يقل : عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره وهو أن يكون معناه يروى من غير وجه ولو موقوفاً ليستدل بذلك على أن هذا المرفوع له أصل يعتضد به وهذا كما قال الشافعي في الحديث المرسل: " إنه إذا عَضده قول صحابي أو عمل عامة أهل الفتوى به كان صحيحا ) .
اعتضد فصحّ فاحتج به .
ثم قال عقب ما تقدم : ( وعلى هذا التفسير الذي ذكرناه لكلام الترمذي إنما يكون الحديث صحيحاً حسناً إذا صح إسناده برواية الثقات العدول ولم يكن شاذاً ورُوي نحوه من غير وجه ، وأما الصحيح المجرَّد فلا يشترط فيه أن يروى نحوه من غير وجه لكن لابد أن لا يكون أيضاً شاذاً وهو ما روت الثقات خلافه على ما يقوله الشافعي والترمذي فيكون حينئذ الصحيح الحسن أقوى من الصحيح المجرد ) .
ثم قال عقبه :( وقد يقال : إن الترمذي إنما أراد بالحسن ما فسّره به ههنا إذا ذكر الحسن مجرداً عن الصحة فأما الحسن المقترن بالصحيح فلا يحتاج إلى أن يروى نحوه من غير وجه لأن صحته تغني عن اعتضاده بشواهد أخر ) .
 ( لأن صحته تغني عن اعتضاده ) .
وبعد نقل قول الإمام الترمذي النظري في التقوية بالشاهد للراوي الذي لايحتج به إذا انفرد ؛ أنتقل إن شاء الله إلى عمله فأنقل من ذلك ما فيه كفاية للدلالة على تطبيقه لذلك في جامعه وهو :
*  الدليل الثامن :
  ١)- حديث عيسى بن يونس عن مُجالد عن أبي الوَدَّاك عن أبي سعيد قال : كان عندنا خمرٌ ليتيم فلما نزلت المائدة سألتُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه وقلتُ :إنه ليتيم فقال: " أهرِيقوه " .
أخرجه في جامعه (1263) وقال : ( وفي الباب عن أنس حديث أبي سعيد حديث حسن وقد رُوِيَ من غير وجه عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحو هذا ..) .
  في إسناده مُجالد بن سعيد بن عمير الهمداني ممن لايحتج به إذا انفرد .
  قال فيه عند الحديث(648):( كثير الغلط ) .
  وضعّفه عند الحديث (1119 ،1172) .
وقال في العلل في آخر جامعه : ( وكذلك مَن تكلم من أهل العلم في مُجالد بن سعيد وعبدالله بن لَهِيعة وغيرهما إنما تكلموا فيهم من قِبَلِ حفظهم وكثرة خطئهم ...فإذا تفرد أحدٌ من هؤلاء بحديث ولم يُتابع عليه لم يُحتج به ...) .
حسّن حديث مُجالد هذا لأنه غير شاذ أي : لم يخطئ فيه فيكون صالحاً للاعتضاد إذا وُجِد له الشاهد المُعتبر لذلك قال : ( وقد رُوي من غير وجه عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحو هذا ) .
فيكون حديث مُجالد هذا حديث حسن يحتج به .
وذلك لأن حديث مُجالد هذا بدون الشاهد ضعيف لا يحتج به.
فيكون بوجود الشاهد اعتضد فصار قويًّا يحتج به . فيكون الحديث الحسن عند الترمذي قويًّا يُحتج به . بخلاف الصحيح فهو قوي بذاته ، لذلك قوته الذاتية هذه جعلتَه غير محتاج لاعتضاده بالشاهد .
فالصحيح قوي بذاته يحتج به .
وقول الترمذي : (حديث حسن) قوي بالاعتضاد فهو يحتج به .
لذلك قال عقبه : (وقال بهذا بعض أهل العلم وكرهوا أن تُتَّخذ الخمرُ خلاًّ..) .
٢)- حديث أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (للمسلم على المسلم ست بالمعروف يسلم عليه إذا لقيه ...الحديث )
أخرجه الترمذي (2736) وقال: ( وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أيوب والبراء وأبي مسعود هذا حديث حسن وقد رُوِي من غير وجهٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد تكلم بعضهم في الحارث الأعور) .
في إسناده الحارث بن عبدالله الأعور ذكره في غير موضع من الجامع وفي (812) قال : (والحارث يُضعف في الحديث ) .
حسّن حديث الحارث هذا لأنه غير شاذ أي : لم يخطئ فيه ولما له من شواهد فقال:( وقد رُوي من غير وجه عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم) .
٣)- حديث علي بن مُسهر عن عُبيدة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : كنَّا نَحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نطهُر فيأمرنا بقضاء الصيام ولا يأمرنا بقضاء الصلاة.
أخرجه في جامعه (787) وقال : ( هذا حديث حسن وقد رُوِي عن مُعاذة عن عائشة أيضاً والعمل على هذا عند أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً..) .
في إسناده عُبَيدة بن مُعَتِّب الضبِّيّ الكوفي تتابع الأئمة على تضعيفه .
حسَّن حديثه هذا لأنه غير شاذ وله وجه مُعتبر عن عائشة فقال : ( حديث حسن وقد رُوِي عن معاذة عن عائشة أيضاً) .
ورواية مُعاذة عن عائشة عنده(130) وقال عقبها:(هذا حديث حسن صحيح وقد رُوِي عن عائشة من غير وجه ) .
وما جاء في رواية عُبيدة في قضاء الحائض الصيام دون الصلاة أمر لا اختلاف فيه لذلك قال:( والعمل على هذا عند أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً..) .
 * الدليل التاسع :
وحديث الراوي الصدوق عنده وهو الذي يقول في حديثه في جامعه :(حديث حسن غريب) غير الذين تقدم وصفهم إذا جاء حديثه من غير وجه فهو يصححه :
ففي الحديث (22) من جامعه قال:( وحديث أبي هريرة إنما صُحِّحَ لأنه قد رُوِيَ من غير وجهٍ ) .
لذلك عقبه (23) أخرج حديث ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد الجهنيِّ مرفوعاً : ( لولا أن أشق على أمتي...الحديث) وقال:(هذا حديث حسن صحيح ) .
فصححه لحديث أبي هريرة السابق الشاهد له .
وفي (باب ما جاء أن مسح الرأس مرة) أخرج حديث ابن عجلان عن عبدالله بن محمد بن عَقيل عن الرُّبَيِّع بنت معوذ وقال:( حديث الرُّبَيِّع حديث حسن صحيح وقد رُوِي من غير وجه عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مسح برأسه مرة ..).
حديث عبدالعزيز بن محمد عن سُهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً:  ( ويلٌ للأعقاب من النار) .
أخرجه في جامعه(41) وقال: ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وقد رُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال:"،ويلٌ للأعقاب وبطون الأقدام من   النار "...) .
فارتقى الحديث الحسن بالشاهد إلى درجة (حديث حسن صحيح ) وهو أقوى من الحديث الصحيح المجرد وعندما يرتقي الحديث إلى : ( حديث حسن صحيح )  فلا يحتاج لثبوته إلى الاعتضاد بشواهد أخرى كما تقدم .
وفي (باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً ) .
أخرج حديث عبدالله بن زيد أن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه مرتين مرتين ومسح برأسه وغسل رجليه .
وقال عقبه :( هذا حديث حسن صحيح وقد ذُكر في غير حديث أن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ بعض وُضُوئه مرةً وبعضَه ثلاثاً..) .
ومن ما تقدم يتبيَّن إن شاء الله تقوية الإمام الترمذي بالشاهد في حالتي الراوي الذي لا يحتج بما تفرد به بسبب حفظه والراوي الصدوق الذي يحسن له بدون متابع ولا شاهد  وبالتابع أو الشاهد يرتقي حديثه إلى (حديث حسن صحيح) .
وقد تقدم أن الحديث الحسن في القبول والاحتجاج مثل الحديث الصحيح .
لذلك أطلق  الإمام الترمذي الصحة على الحديث الذي حكم عليه بالحسن :
ففي جامعه (367) أخرج حديثاً عن صهيب وبعده(368) أخرج حديثاً عن ابن عمر وقال عقبه : ( هذا حديث حسن صحيح وحديث صهيب حسن ..) ثم بعد ذلك قال عنهما : ( وكلا الحديثين عندي صحيح لأن قصة حديث صهيب غير قصة...) .
فقد حكم بالصحة لما حكم بأنه : ( حسن صحيح ) وأيضًا لما حكم بأنه :(حسن) .
وفي (1105) أخرج حديث الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله مرفوعاً في خطبة النكاح وقال : (حديث عبدالله حديث حسن) ثم قال :( ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عُبيدة عن عبدالله عن النبيِّ صلى الله عليه و على آله وسلم ) وقال عقبه :(وكلا الحديثين صحيح.) .
بعد جامع الترمذي أنتقل إن شاء الله في إثبات تقوية المتن بالشاهد إلى أحد الكتب المُصنفة في الرواة الضعفاء عند مصنفه وذكره الروايات الموجبة لضعفه عنده ألا وهو كتاب (الضعفاء الكبير) للحافظ أبي جعفر العُقَيلي ، وهو :
*  الدليل العاشر :
عندما يريد العُقيلي التنبيه على أن المتن أو جزءًا منه المذكور في ترجمة الراوي هو غير ضعيف وإنما هو ثابت وصحيح من وجه آخر تجد قوله :
( هذا المتن عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثابت بغير هذا الإسناد) ، أو : (والرواية في كذا وكذا ثابتة من غير هذا الوجه) ، أو : ( والمتن معروف بغير هذا الإسناد) ، أو : (والحديث محفوظ بغير هذا الإسناد) ، أو : (والحديث في هذا الباب ثابت من غير هذا الوجه) ، ونحو ذلك.
وإذا أراد بيان أن المتن لا يصح تجد قوله :
(والرواية في هذا المتن فيها لين) ، أو : ( ليس بمحفوظ إسناده ولا متنه) ، أو : ( ولا يصح في هذا الباب عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم حديث) ، أو : ( كل هذه الأحاديث غير محفوظة من حديث فلان ولا من حديث غيره ) ، أو : (ولا يصح في هذا المتن شيء) ، ونحو ذلك.
وكذلك يفعل عندما يذكر لصاحب الترجمة حديثاً فيه  أكثر من جملة فيُبَيِّن الفقرة المحفوظة المعروفة الصحيحة الثابتة لكي يدفع الفهم بأنه يضعفها وهذا هو الذي استشهد به على تقوية المتن بالشاهد :
1)     في ترجمة إبراهيم بن محمد بن عاصم :
أخرج له حديث عروة بن مسعود:(لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله ) .
وقال:( وفي هذا الباب أحاديث صحاح غير واحد من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما أنكرنا الإسناد) .
2)     بَلهُط بن عبَّاد :
أخرج له حديث جابر:(شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرَّمضَاء فلم يُشكِنا وقال :استكثروا من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها تدفع تسعاً وتسعين باباً من الضرّآء أدناها الهرم ) .
وقال عقبه :( أما الكلام الأول فرواه أبو إسحاق عن سعيد بن وهب عن خبَّاب قال : " شكونا إلى النبي عليه السلام حرّ الرَمضَاء فلم يُشكنا " رواه عن أبي إسحاق شعبة وسفيان وغيرهما من الثقات أما اللفظ الآخر فلا يصح فيه شيء ).
وعن هذا اللفظ انظر تضعيف الإمام الألباني لها في (الصحيحة)(1528).
3)     جارية بن هرم أبو شيخ الفقيمي :
أخرج له حديث أبي بكر الصديق:(مَن حدث عني ما لم أقل أو قصّر عني شيء أمرتُ به فليتبوأ بيتاً في النار) .
وعن الحديث بتمامه قال:( لا يتابع عليه ).
وعن فقرة:( من حدث عني ما لم أقل فليتبوأ...) قال:
( والرواية فيمن كذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ثابتة من غير هذا الوجه) .
4)     الحارث بن حصيرة :
أخرج له حديث أبي ذر في حال ابن صياد ، قال : ( له غير حديث منكر في الفضائل...وأما حديث ابن صياد فقد رواه جماعة من أصحاب النبي عليه السلام عنه بأسانيد صحاح) .
5)     خلاد بن بزيع صاحب المحامل :
أخرج له حديث سَمُرة بن جُندُب: ( نهى النبي عليه السلام أن تُصبَرَ البهيمة وأن يُؤكل لحمها إذا صبرت ) .
وقال عقبه:( وقد روي عن النبي عليه السلام في النهي عن صبر البهيمة أحاديث بأسانيد جياد وأما أكل لحمها فلا يحفظ إلا في هذا الحديث).
6)     دَلهم بن صالح :
أخرج له حديث بُرَيدة : (أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خفين أسودين ساذجين فمسح عليهما وصلى ).
وقال عقبه : ( المسح على الخفين ثابت صحيح من غير وجه وأما الرواية في خفي النجاشي الذي أهداهما إلى النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ففيهما لين ) .
7)      ربيع بن حبيب :
أخرج له حديث علي:( نهانا النبي عليه السلام أن ننزي الحمر على الخيل وأن ننظر في النجوم وأمر بإسباغ الوضوء) .
وقال عقبه : (وقد رُوي عن النبي عليه السلام أنه نهى أن نُنزى الحُمر على الخيل بأسانيد أصلح من هذا وإما إسباغ الوضوء ففيه أحاديث صحاح وأما النظر في النجوم ففيه رواية الغالب عليها اللين ) .
8)     سلمة بن رجاء :
أخرج له حديث ابن أبي أوفى : إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما صلى الضحى ركعتين حين بُشر بالفتح وحين جيء برأس أبي جهل ) .
وقال عقبه : ( والحديث في صلاة الضحى ثابت عن أم هانئ وصلاة ركعتين حين أتي برأس أبي جهل لا يعرف إلا من هذا الطريق ) .
9)     عبدالله بن حكيم بن جبير الأسدي :
أخرج له حديث ابن عباس: (بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبابكر إلى خيبر فانهزم ثم عمر فانهزم ثم اعطى الراية عليًّا ) .
وقال عقبه :( وقد روى سعد بن أبي وقاص وسلمة بن الأكوع وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دفع إلى عليٍّ رضوان عليه الراية يوم خيبر وأما قصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فليست بمحفوظة ) .
10)  عبدالله محمد العَدَوي :
أخرج له حديث طلحة بن عبيدالله:( لا يقبل الله صلاة إمام حَكَمَ بغير ما أنزل الله عز وجل ولا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول ) .
وقال : ( آخر الحديث معروف بغير هذا الإسناد وأوله غير محفوظ ) .
11)   عبدالرحمن بن حرملة :
أخرج له حديثه عن ابن مسعود : ( كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكره عشر خصال :...) .
وقال عقبه : ( وبعض الألفاظ التي في هذا الحديث يروى بغير هذا الإسناد وفيه ألفاظ ليس لها أصل).
12) عمرو بن عبدالغفَّار الفُقيمي :
أخرج له حديث ابن مسعود :( تاركوا الترك ما تركوكم ولا تجاوروا الأنباط في بلادهم ...ولو كان هذا الدين معلقاً بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس ) .
قال عقبه : ( أول الحديث وآخره قوله تاركوا الترك ما تركوكم ولو كان هذا الدين معلق قد رُوي بغير هذا الإسناد وسائر الحديث لا أصل له.) .
13)   عمرو بن يزيد التميمي أبوبُردة :
أخرج له حديث بُريدة :( أُخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قبل القبلة وأُلحد لَهُ ونُصب له اللبن نصباً ) .
وقال:( وأما اللحد للنبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد روي بأسانيد جياد وسائر الكلام ليس يُعرف إلا في هذه الرواية وما يشبهها ) .
14)  كثير بن عبدالله اليشكري :
أخرج له حديث عبدالرحمن بن عوف : (ثلاثة في ظل العرش : القرآن يحاجّ العباد والرحم ينادي صِل من وصلني واقطع من قطعني والأمانة ) .
وقال عقبه :( والرواية في الرحم والأمانة من غير هذا الوجه بأسانيد جياد بألفاظ مختلفة وأما القرآن فليس بمحفوظ) .
15)  محمد بن الأشعث :
أخرج له حديث :(..قل السلام عليكم أهل القبور...ألا ترضى أن يرد عليك بعدهم من الملائكة ) .
وقال عقبه : ( ولا يُعرف إلا بهذا اللفظ وأما السلام عليكم يا أهل القبور إلى قوله: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون فيُروى بإسناد صالح بغير هذا الإسناد من طريق صالح وسائر الحديث غير محفوظ ) .
16)   الوليد بن عيسى أبو وهب :
أخرج له حديث جابر:(لما كان يوم الفطر قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :هذا يوم أديتم فيه فريضة الله عزو جل وهذا أوان تأخذون أجوركم من الله ثم خرج بنا إلى المصلى فصلى بنا ركعتين لم يُصَلِّ قبلها ولا بعدها حتى رجع) .
وقال عقبه :( أما الصلاة في العيدين ركعتين لم يُصَلِّ قبلها ولا بعدها فيروى من غير هذا الوجه بإسناد جيد وأما أول الحديث فلا يُتابع عليه) .
17)   هاشم بن عيسى اليزني الحمصي :
أخرج له حديث عائشة: ( كان النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ونام على شقه الأيمن وقال: هذه نومة الأنبياء ثم قال: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) .
وقال عقبه :( وهذا يُروى من طريق يثبت أن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم قال: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك وسائر الكلام غير محفوظ).
18)      يحيى بن كثير أبو النضر :
أخرج له حديثين الثاني من حديث سعد بن أبي وقاص :(اهتز العرش لموت سعد بن معاذ حتى تخلعت أعواده ..) .
قال عقبه: ( لا يتابع على حديثه الأول، والثاني معروف من غير هذا الوجه وليس يحفظ حتى تخلعت أعواده من وجه صحيح ) .
وأختم إثبات تقوية المتن بالشاهد وذلك باستشهادي بصنيع مَن يراهم المفرقون أنهم على منهج المتقدمين وهم الحافظ ابن رجب والحافظ ابن عبد الهادي والعلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمهم الله .
 *  الدليل الحادي العاشر :
·      الحافظ ابن عبدالهادي :
ينسب بعض المتابعين لما ينشره المفرقون إليهم أنهم يرون الحافظ ابن عبدالهادي ممن يسير على منهج المتقدمين ولضعف متابعتي لم أقف على هذا .
وعلى ما يُنسب إليهم أحاجهم به في تقوية المتن بالشاهد :
أ‌)   تصريح الحافظ ابن عبد الهادي بإخراج البخاري ومسلم في صحيحيهما لرواة في الشواهد بدون نكير منه كما تقدم وكما في(الصارم المنكي) (ص256/259/تعليق الشيخ الأنصاري) .
وفي (تنقيح التحقيق)(2/327/تحقيق أيمن شعبان) قال : (وأصحاب الصحيح إذا رووا لمن تكلم فيه فإنهم يتوقفون عن حديثه ما لم ينفرد به بل وافق فيه الثقات وأتت شواهد صدقه ).
ب‌)         تصريحه برواية الإمام أحمد عن بعض الرواة في الشواهد بدون نكير منه حين قال في(الصارم المنكي)(ص40/41):( وقد يروي الإمام أحمد قليلاً في بعض الأحيان عن جماعة نُسِبُوا إلى الضعف وقلة الضبط وذلك على وجه الاعتبار والاستشهاد لا على طريق الاجتهاد والاعتماد مثل روايته عن...ونحوهم ممن اشتهر الكلام فيه..) .
   ج) تصريحه بأن بعض الرواة المتكلم فيهم يصلح الاستشهاد بروايته :
    قال في (الصارم المنكي) (ص134/135):(... فإن بعض هؤلاء له حديث كثير وروايته تصلح للمتابعة والاعتضاد والاستشهاد...) .
    وقال فيه في (ص253):(...فما تفرد به من الحديث ولم يتابعه عليه أحد لا ينهض إلى درجة الصحيح ولا ينتهي إلى درجة الصحة بل يُستشهد به ويُعتبر به...) .
   د) تصريحه بأن بعض الأحاديث لا ترتفع درجة الضعف عنها بالشواهد :
قال فيه في (ص100):( ...لا يرتفع به الحديث عن درجة الضعف والسقوط ولا ينهض إلى رتبة تقتضي الاعتبار والاستشهاد لظلمة إسناده ....) .
وقال فيه في (ص102):( وفي الجملة ليس هذا الخبر مما يصلح الاستشهاد به ولا الاعتبار ...) .
   ه) تصريحه بأن الشاهد يدل على حفظ الراوي غير الحافظ :
 قال فيه في (ص161):(وقال أبو حاتم الرازي ليس بالحافظ هو لَيِّن تَعرِف وتُنكِر قلتُ ومثل هذا قد يخاف أنه يغلط أحياناً فإذا كان لحديثه شواهد عُلِم أنه محفوظ ..).
   و) تقويته بالشاهد :
قال فيه في (ص206) :( وهذا الحديث...قال البيهقي : وله شواهد وروى حديثين عن ابن مسعود وأبي أمامة وله شواهد أجود مما ذكر البيهقي ومنها...) .
وقال فيه في (ص207) : (...وهذا له شواهد مراسيل من وجوه مختلفة يصدق بعضها بعضاً منها ما رواه...) .
وقال فيه في (ص262) : (...وللحديث شواهد من غير طريقه ...وقد ذكر الشيخ (أي : الإمام ابن تيمية ) هذه الأحاديث وغيرها في الصلاة والسلام على النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قال فهذه الأحاديث المعروفة عند أهل العلم التي جاءت من وجوه حسان يصدق بعضها بعضاً ...) .
وقال فيه في (ص281) : ( وهذا الحديث وإن كان في إسناده شيء فهو شاهد لغيره وعاضد له ) .
وقال فيه في(ص392):( ...وهو حديث محفوظ عن علي بن الحسين زين العابدين وله شواهد كثيرة ) .
وقال فيه في (ص414):( هذا الحديث الذي رواه أبو داود هو حديث حسن جيد الإسناد وله شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة...) .
وفي (تنقيح التحقيق)(2/70) ذكر حديث طارق بن شهاب المرسل :( فيمن يجب عليه الجمعة) وقال:(وهذا الحديث وإن كان فيه إرسال فهو مرسل جيد فطارق من كبار التابعين وممن رأى النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن لم يسمع منه ولحديثه هذا شواهد منها:...) .
وقال فيه في (3/365):( وهذه الأحاديث المتقدمة وإن كان في رجالها مقال فهي أحاديث عليها طلاوة الصدق ويعضدها هذا الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه) .
وفيه في (3/557) ذكر حديث الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب وقال: ( لكن حديث الحجاج لم يخرجوه وحجاج مدلس لكن حديثه شاهد لغيره) .
* الدليل الثاني عشر :
·      الحافظ ابن رجب :
أ‌)   تصريحه باعتبار الشاهد للاعتضاد كما تقدم نقل ذلك عنه في بيان الحديث الحسن عند الإمام الترمذي وهو في(شرح علل الترمذي)(1/384/388).
ب‌)         تصريحه بإخراج الإمامين البخاري ومسلم لرواة في الشواهد كما تقدم وهو في(شرح علل الترمذي)(2/708) .
أ‌)       يقوي بالشاهد تفرد الراوي الضعيف بلفظ في المتن :
    ففي (فتح الباري)(5/82) نقل قول الدارقطني : ( لا أعلم أتى بهذا اللفظ غير عُبيدة بن مُعَتِّب وهو ضعيف) .
فقال عقبه :(رواية ذكوان تعضِّده وتشهدُ له )  .
وعُبيدة بن مُعتِّب من أهل الطبقة الثامنة وهو ضعيف .
فتكون هذه اللفظة منكرة شديدة الضعف عند الدكتور أحمد الخليل صاحب مستدرك التعليل لأن الذي تفرد بها ضعيف متأخر الطبقة .
والدكتور الخليل أشاد بالحافظ ابن رجب في مقدمة مستدركه (ص12) وكتابه (شرح العلل) وأنه مقرراً للفرق بين طريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين وكذلك عرف فضل منهج المتقدمين وصحته .
د‌)     تقويته المتن بالشاهد :
في (فتح الباري) (2/31) : ذكر حديث محمد بن بكار بن بلال عن سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتقي سَورَةَ الدم ثلاثاً ثم يباشر بعد ذلك .
وقال عقبه : ( وهذا الإسناد وإن كان فيه لين إلا أن الأحاديث الصحيحة تُعضدُه وتشهدُ له) .
وهذا الإسناد الذي فيه لين أخرجه الطبراني في (الأوسط)(4682) وقال:( لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا سعيد بن بشير تفرَّد به محمد بن بكار ) .
فهذا السند فيه :
1-  سعيد بن بشير .
2-  ثم رواية سعيد بن بشير عن قتادة وفيها كلام .
3-   وفيها أيضاً أين أصحاب قتادة ؟ .
4-  وتفرّد محمد بن بكَّار بن بلال وهو صدوق من أهل الطبقة التاسعة .
فهل يصلح هذا الإسناد للاستشهاد عند الدكتور الخليل ؟ .
فالحافظ ابن رجب الذي عرف فضل منهج المتقدمين وصحته يقول عنه: (وهذا الإسناد وإن كان فيه لين ) .
وقال فيه في (5/323):( فلم يبق من هؤلاء من لا يعرف حاله سوى سليمان بن  أبي عثمان وقد عضَّد هذا الحديث ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث سمرة بن جندب وحديث ابن مسعود...) .
وقال فيه في (6/414): (وفي ترك الجهر بها : حديث عبدالله بن مُغَفَّل وهو شاهد لحديث أنس الذي أخرجه مسلم...) .
حديث :( لا ضرر ولا ضرار) رقم(32) من (جامع العلوم والحكم) حسنه لمجموع ما حضره في هذا الباب ووافق الإمام النووي على تحسينه :
فذكر حديث أبي سعيد وعبادة بن الصامت وابن عباس وعائشة وجابر وأبي هريرة وعمرو بن عوف المزني ثم قال:( فهذا ما حضرنا من ذكر طرق أحاديث هذا الباب وقد ذكر الشيخ رحمه الله أن بعض طرقه تقوي ببعض وهو كما قال...)...
وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وقال قال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" لا ضرر ولا ضرار " ... ) .
وبعض الطرق هي طريق حديث عمرو بن عوف المزني وفيها كثير بن عبدالله المزني.
فماذا يقول المفرقون في هذا ؟
وقوله :(استدل الإمام أحمد...) أي : صححه فاستدل به .
وذلك من قول الحافظ ابن رجب نفسه :
قال في (فتح الباري)(8/173/174): (ورواه أحمد ...واستدل به وهذا إسناد جيد ...وأما البخاري فقال: لا يتابع على حديثه كأنه يشير إلى حديثه هذا ...وأحمد أعرف بالرجال من كل من تكلم في هذا الحديث وقد استدل به واعتمد عليه وقد عضَّد هذا الحديث أنه قد صحَّ من غير وجه أن القائلة في زمن عمر ...) .
وفيه في (7/130) نقل حكاية الدوري عن يحيى بن معين أخذه بحديث وعمله به فقال عقبه: ( وهو دليل على ثبوته عنده) .
 * الدليل الثالث عشر والأخير في هذا المقام :
·      العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني :
فقد شهد له غير واحد من المفرقين كالشيخ عبدالله السعد بأنه على فهم لمنهج المتقدمين دون غيره من المعاصرين من المشتغلين بالحديث :
أ‌)  تصريحه بإخراج الإمامين البخاري ومسلم في صحيحيهما للراوي الذي تَكَلَّم هو نفسه في حفظه في الشواهد وهو أمر معروف عند أهل الفن :
قال في (التنكيل) (1/457):( بل صاحب الصحيح نفسه قد يخرج في المتابعات والشواهد لمن لا يُوثِّقه وهذا أمر معروف عند أهل الفن ) .
ب‌)         تصريحه بأن بعض الرواة المُتَكَّلم فيهم :( لا بأس بإيرادهم في المتابعات والشواهد) ويرى أن عبدالله بن زياد بن سمعان وحفص بن سلمان الكوفي يصلحان في الشواهد كما في (التنكيل) (1/151/152) .
أ‌)        تصريحه برد الشاهد الذي لا يصلح شاهداً عنده:
فتجد في تحقيقه لكتاب (الفوائد المجموعة ) :
( قال:(وله شاهد) أقول: هو شاهد زور فيه كذابان ).
( قال:(وله شاهد) أقول: شاهد زور فيه...الهالك) .
د‌)     تقويته المتن بالشاهد :
    ١) حديث أنس : ( مازال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقنت في الصبح حتى مات) .
قال في (التنكيل) (1/153): ( ورد من وجهين آخرين أو أكثر عن أنس صحح بعض الحفاظ بعضها وجاء نحو معناه من وجوه أخرى راجع (سنن الدارقطني) و(سنن البيهقي) وبمجموع ذلك يقوى الحديث ).
٢) حديث عوف بن مالك: ( ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فرقة قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحللون الحرام ) .
حديث نُعيم بن حماد ثنا عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف به .
قال فيه في (التنكيل)(1/510/511): ( هذا الحديث أشد ما أُنكِرَ على نُعيم أنكره ابن معين ووثق نُعيماً وقال: " شُبِّهَ له " وقال دُحيم : " هذا حديث صفوان بن عمرو حديث معاوية" يعني أن إسناده مقلوب ولهذا الحديث شواهد مرفوعة وموقوفة...وقد تابع نُعيماً على روايته عن عيسى بن يونس جماعة منهم ثلاثة أقوياء...) .
٣) حديث (القضاء بشاهد ويمين) في (التنكيل)(2/156/271) :
قوّاه وردّ بهذه التقوية :
قولَ البخاري بالانقطاع وبعدم اشتهاره عن ابن عباس  .
وقولَ الإمام أحمد بتضعيف قيس بن سعد فقال : (ضعفه أحمد ولم يُبين وجه ذلك) .
والقول بتفرد قيس بن سعيد بمتابعة راو استشهد به صاحب الصحيح وهو محمد بن مسلم بن سوسن الطائفي .
ومما قاله: (فإن قيل: لكن له شواهد قلتُ (أي: المعلمي ) : وحديث القضاء بالشاهد واليمين كذلك فقد جاء من رواية جماعة من الصحابة بأسانيد جيدة قد صححوا نظائرها ...وجاء من رواية آخرين بأسانيد تصلح للاستشهاد..) .
وقال: ( ولا تظهر في هذا الحديث مِظنَّةٌ للخطأ وقد اندفع احتماله بمتابعة قيس هذا وللحديث شواهد منها..) .
وبهذا انتهى الجواب وأطلتُ فيه البيان لطلبك فأنت وإخوانك والمقصودون بهذا البيان ثم الآخرين .
غفر الله لي و لك ولِوالِدينا
ورزقني الله وإياك حب الحديث وأهله
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا
ربنا إنك رؤوف رحيم
وصلَّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين

                                             كتبه
أبو عُبُود : عبد الله بن عُبُود باحمران
                                       4/ رجب/1435ه  3/5/2014م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق