مناقشة الدكتور أحمد بن محمد الخليل
في كتابه: مستدرك التعليل
1/ شعبان
/1435ه الموافق 30/ مايو / 2014م
الدكتور الخليل هو أحد القائلين بالاختلاف بين منهج المتقدمين والمتأخرين من
أهل الحديث في الحكم على الأحاديث .
واختار أكثر كتب الإمام الألباني تحريراً وإتقاناً كتاب (إرواء الغليل في تخريج
أحاديث منار السبيل) ليُثْبِت هذا الفرق عمليًّا فكتب لإثبات ذلك (مستدرك التعليل
على إرواء الغليل) .
ذكر الدكتور في مقدمة مستدركه أهم المسائل التي اختلفت فيها طريقة المتقدمين عن
المتأخرين ومنها:(التفرد) كما في(ص10/11) منه .
وقليلٌ جدًّا أن تخلو صحيفة من صحائف (مستدرك التعليل) من ذكر التفرد علة قادحة في
الحديث أو في المتابعات أو في الشواهد .
1)- ويرى الدكتور الخليل أن
تفرد أهل الطبقة المتأخرة أشد ضعفاً من أهل الطبقة المتقدمة :
قال في (ص61) منه : ( ومما
يزيد الأمر سوءًا أن كثير بن زيد متأخر من أهل الطبقة السابعة مات في آخر خلافة
المنصور والتفرد من المتأخر أشد ضعفاً من التفرد من المتقدمين كيف وهو ضعيف كما
سبق ؟ بل لو كان ثقة لكان تفرده وهو متأخر علةً في الحديث ) .
2)-
ويرى الدكتور الخليل أنه من المعلوم أن التفرد في الطبقات المتأخرة قادح جداً :
فقد قال
في (ص324) منه : (...ومعلوم أن التفرد في الطبقات المتأخرة قادح جداً ودالٌّ على
وجود الخطأ في الحديث ) .
3)- ثم
لم يضبط الدكتور نفسه فنسب إلى الحفاظ أنهم لا يقبلون تفرد الثقة المتأخر الطبقة :
فقال في (ص68) منه :
(...وإذا كان الحفاظ لا يقبلون تفرد الثقة إذا كان متأخراً فكيف بهذا ؟) .
4)-
لذلك اعتبر الدكتور الخليل أن قول أحد الأئمة :( لم يرو هذا الحديث عن فلان إلا
فلان) ونحو ذلك هو إعلال بالتفرد لا غير :
وفي ذلك
قال في (ص46) منه :( فتجد الحفاظ ( تمَّاماً والطبراني وابن عدي ) يتفقون على
إعلال هذا الحديث بعلة واحدة هي التفرد التي تدل على وقوع خطأ في هذا الحديث ) .
بل عنده
أن الطبراني في معجمه الأوسط جمع فيه الغرائب والفرائد ويبين موضع العلة في الحديث
:
فبعد أن نقل
قول الطبراني :( لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا سعيد بن مسلمة وسعيد بن الصلت )
؛ قال في (ص46) منه :( ومعلوم أن الطبراني إنما صنف كتاب "الأوسط" ليجمع
فيه الأحاديث الغرائب والفرائد ويبيِّن موضع العلة في الحديث فهو هنا يعل الحديث
بتفرد ابن مسلمة وابن الصلت بهذا الحديث عن الأعمش ) .
5)- وقد
تشبَّعت نفس الدكتور الخليل بالإعلال بالتفرد ليكون سلاحاً من أسلحة له في مستدركه
يظهر بها القيمة العلمية لأكثر كتب الإمام الألباني تحريراً وإتقاناً وظهر ذلك
جليًّا مع ما تقدم :
١- نقل
الدكتور عن إمام نقلاً أخذ منه الإعلال بالتفرد والإمام في صدر قوله يُصَحِّح
الحديث ويُثبِّتَه :
قال في (ص422) منه : ( علل
حديث ابن عمر :
أولاً : إسناد أبي نعيم
والطحاوي وهو ما رواه وكيع و أبو نعيم كلاهما عن جعفر بن برقان عن ميمون بن
مهران عنه به .
فهذا تفرد به جعفر عن ميمون كما قال أبو نعيم :" لم يكتب إلا من حديث جعفر
عنه ".
وله علة ثانية
: فقد اختلف وكيع و أبو نعيم على جعفر بن ميمون..) انتهى قول الدكتور.
حديث ابن عمر الذي تكلم عليه الدكتور أخرجه أبو نعيم في (الحلية)(4/97/رقم4882) من
طريق جعفر بن بُرقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر مرفوعاً وقال: ( هذا حديث صحيح
ثابت من حديث ميمون لم نكتبه إلا من حديث جعفر عنه) انتهى قول أبي نُعيم .
تَشَبُّع الدكتور الخليل بالإعلال بالتفرد جعله ينقل قول أبي نعيم :( لم نكتبه إلا
من حديث جعفر عنه ) ، لماذا ؟ :
ليقول
الدكتور :( فهذا تفرد به جعفر عن ميمون) .
وكما
تقدم هذا القول من الأئمة هو إعلال بالتفرد عند الدكتور الخليل .
لذلك
قال : ( علل حديث ابن عمر :
أولاً: إسناد أبي
نعيم ...فهذا تفرد به جعفر عن ميمون...)
وصدر قول أبي نعيم
هو :( هذا حديث صحيح ثابت ) .
وفي هذا نقض لفهم
الدكتور في أمرين :
الأول : أن النص على التفرد في حديث ابن عمر هو وصف وإخبار وليس إعلال لذلك قال :
(هذا حديث صحيح ثابت..) .
الآخر: فيه نقض لفهم الدكتور أن قول الأئمة في نحو هذا هو إعلال بالتفرد فأبو نعيم
قبل وصف الحديث بما يدل على التفرد بيَّن حكمه عليه وهو أن هذا التفرد مقبول غير
مردود فقال: (هذا حديث صحيح ثابت..) .
وقد نقل الدكتور نفسه الأمر الذي جعل أبا نعيم يقبل تفرد جعفر بن بُرقان عن ميمون :
فقد قال(ص422) منه: (...فإن
أحمد قال عن جعفر بن برقان: " ثقة ضابط لحديث ميمون ".)
كل هذا الدكتور كتمه وأهدره لماذا ؟ .
كيف والإمام الألباني نقل قول أبي نعيم : ( هذا حديث صحيح ثابت من حديث ميمون لم
نكتبه إلا من حديث جعفر عنه ) في الإرواء(4/178) ؟ .
وقطعاً الدكتور رأى هذا النقل وقرأه وفهمه .
ومما يجعل الدكتور أن يراجع نفسه مع ما تقدم هو أن جعفر بن بُرقان من أهل الطبقة
المتأخرة ومع ذلك صحح له أبو نعيم تفرده وقبله بخلاف صنيع الدكتور وفهمه .
2- وقد خالف الدكتور الخليل نفسه بما دندن به فردَّ إعلال الطبراني بالتفرد :
ففي (1/185) ذكر إسناداً
رواه عتاب بن زياد عن أبي حمزة السكري عن إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر ،
وقال : ( وله علل :
العلة الأولى : تفرد أبو
حمزة السكري عن إبراهيم الصائغ قال الطبراني في "الأوسط":" لم يرو
هذا الحديث عن إبراهيم إلا أبو حمزة السكري" ) .
وقال عقبه :( وإبراهيم له عدة أصحاب فكيف تفرد أبو حمزة عنهم بهذا الحديث؟).
ثم تبيَّن للدكتور
ما به :
أ)- ردًّ إعلال الطبراني
بالتفرد .
ب)- ونسي ما قاله عن المعجم
الأوسط للطبراني .
ج)- و أبو حمزة محمد بن
ميمون السكري من أهل الطبقة المتأخرة وهي التي تفرد أصحابها عند الدكتور قادح جداً
.
فقال : ( ثم تبين لي أن هذه
ليست بعلة قادحة لأن أبا حمزة السكري يقول: ( اختلفت إلى إبراهيم الصائغ نيفًا
وعشرين سنة ما علم أحد من أهل بيتي أين ذهبت ولا من أين جئت ) .اه
وقال عقب ذلك : ( فهذا يدل
على عناية وطول صحبة تسوغ التفرد فيما يظهر لي ) .
د)- والذي أوقع
الدكتور في هذا هو كما قلتُ تشبعه بالإعلال بالتفرد هو الذي جعله لا ينتبه لطول
صحبة أبي حمزة السكري لإبراهيم الصائغ وبخاصة أن دليله على ذلك عزاه إلى ( تهذيب
الكمال) في ترجمة أبي حمزة السكري .
٣- ذكر الإمام الألباني في الإرواء (3/100) حديثاً وحسّنه لأن فيه ابن عَقِيل
أ)- فذكره الدكتور في مستدركه (1/314/315رقم 64) وقال :
(الحديث ضعيف وابن
عقيل لا يحتج به وقد تفرد بالحديث) .
ب)- وعبد الله بن محمد بن عَقِيل يحتج بحديثه الأئمة أحمد وإسحاق والحُميدي، قاله
الإمام البخاري كما في جامع الترمذي (3) .
ج)- ومعنى هذا أنه يُحتج به إذا انفرد .
د)- لأن الراوي الكثير الخطأ لا يحتج به الإمام أحمد وغيره إذا انفرد كما بيَّن
ذلك الإمام الترمذي في كتابه (العلل) في آخر جامعه فقال : (..وإنما تكلموا فيهم من
قبل حفظهم وكثرة خطئهم ...فإذا تفرد أحدٌ من هؤلاء بحديث ولم يُتابع عليه لم
يُحتجَّ به كما قال أحمد بن حنبل : ابن أبي ليلى لا يُحتجُّ به. إنما عَنَى إذا
تفرد بالشئ ) .
ه)-
وذكره الحافظ ابن رجب في قسم من اختلف فيه هل هو ممن غلب على حديثه الوهم والغلط
أم لا ؟
فقال في (شرح علل الترمذي) (1/328/329) :
( عبدالله بن محمد بن عقيل
وقد ذكر الترمذي في أول كتابه عن البخاري أن أحمد وإسحاق والحميدي كانوا يحتجون
بحديثه وقد صحح الترمذي حديثه ) .
و)-
وعندما ذكره الترمذي في جامعه (3) قال فيه : ( هو صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم
من قِبَل حفظه ) فلم يذكر أنهم تكلموا فيه لكثرة خطئه وهو الذي لا يحتج به إذا
انفرد .
ثم نقل احتجاج أحمد وإسحاق والحميدي به .
وفي (باب ما جاء في الاستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغُسلٍ واحد) من جامعه أخرج
حديثاً واحداً هو حديث حَمنَة بنت جَحش من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل وقال: (
هذا حديث حسن صحيح ) .
ثم نقل قول الإمام أحمد فيه
:( هو حديث حسن صحيح)
و)- والدكتور لأجل أن يُعل بالتفرد حمل احتجاج أحمد وإسحاق على الاعتبار فقال: (
والذي يظهر لي أن أحمد وإسحاق يريدان بالاحتجاج به أي كتابة حديثه والانتفاع في
الاعتبار لا الاحتجاج به إذا انفرد ) .
لذلك قال: ( وهذا الإسناد ضعيف لأمرين :
الأمر الأول :
التفرد....
الأمر الثاني : عبد الله بن
محمد بن عقيل فهو ضعيف لا يحتج به ضعفه الأئمة ) .
ز)- وكأن أقوى ما جعل الإمام ناصر الدين الألباني يميل إلى أن عبد الله بن محمد بن
عَقيل هو حسن الحديث إذا لم يُخالف هو احتجاج الأئمة أحمد وإسحاق والحُميدي
بحديثه .
ح)- و ما عليه الإمام الألباني هو الذي عليه الحافظ ابن عبد الهادي وهو مَن هو عند
المفرقين .
فقد تكلم على حديث لابن عَقيل في تعليقته رقم (123) على العلل لابن أبي حاتم
بتحقيق سامي بن محمد بن جاد الله وتقديم فضيلة الشيخ المحدث عبد الله بن عبد
الرحمن السعد ومما قاله ابن عبد الهادي : ( ومَن صحح هذا الحديث أو حسَّنه من
الأئمة أعلم ممَّن تكلم فيه ...وهذا الذي قاله خطأ فابن عَقيل حسن الحديث) .
وهذا
الحديث تفرد به ابن عَقيل كما نقل ذلك ابن عبد الهادي من قول الدارقطني والبيهقي .
البحث الآن :
إذا وجدنا أحاديث مفاريد
انفرد بها ثقات من أهل الطبقة المتأخرة صححها أئمة متقدمون فهل يكون الخلل في فهم
الدكتور الخليل لمسألة الإعلال بالتفرد عند المتقدمين ؟ .
وإذا ثبت هذا الخلل في فهم
الدكتور الخليل فهل سيخرج مسألة الإعلال بالتفرد من أهم المسائل التي خالف فيها
المتأخرون المتقدمين ؟ .
ما هو التفرد ؟ :
التفرد حسب بحثنا هو نوعان :
الأول : رواية الراوي
المقبول تفرده والذي في طبقة بعد كبار التابعين أو طبقة التابعين حديثاً لم يُتابع
عليه أو توبع عليه متابعة غير معتبرة عند من قال بالتفرد ولم يروِ غيره خلافه .
الآخر : رواية الراوي
المقبول تفرده من طبقة كبار التابعين وما دونها حديثاً يتابعه عليه غيره فيتفرد
بشيء في إسناده أو متنه عمن تابعه ويخالفه فيما تفرد به .
ومن هنا فكل مخالفة هي تفرد
وليس كل تفرد هو مخالفة .
لذلك في التفرد مع
المخالفة غالباً ما يقتصرون في الإعلال بالإعلال بالمخالفة فقط وذلك لقوتها
في الإعلال بخلاف التفرد .
ومستدرك الدكتور فيه
النوعان .
الدكتور الخليل يطلق
الإعلال بتفرد الثقة وهو يعلم أن الثقات مراتب فمنهم الحافظ المتقن ومنهم الثقة
الوسط ومنهم الصدوق فهل كل تفرد من أهل هذه المراتب هو تفرد مردود ؟ .
فإذا أطلق الدكتور الخليل
القولَ بِرَدِّ ما تفرَّد به الحافظ المتقن فضلاً عن مخالفته مع التفرد فهل
هذا الإطلاق عليه المتقدمون ؟ :
ننظر :
١)- الإمام أحمد بن حنبل:
قال الحسن الزعفراني : (
قلتُ لأحمد : مَن تابع عفان على كذا وكذا؟ فقال: وعفان يحتاج إلى متابعة أحد ؟ )
من ترجمة عفان بن مسلم بن عبدالله الصفار في التهذيبين.
وعفان من أهل الطبقة
المتأخرة والتي تفرد أهلها عند الدكتور تفرد ضعيف شديد الضعف .
٢)- الإمام يحيى بن معين :
فقد سُئِل عن حديث عطاء عن
جابر في الشُّفعة فقال : ( هو حديث لم يحدث به أحد إلا عبد الملك وقد أنكره الناس
عليه ولكن عبد الملك ثقة صدوق لا يُرَدُّ على مثله ) انتهى من ترجمة عبد الملك بن
أبي سليمان العَرزَمي في التهذيبين .
فابن معين نظر إلى حال
عبد الملك عنده من حيثُ صدقه وحفظه فقبل ما تفرد به وردّ قول الناس الذين أنكروه .
وعبدالملك من أهل الطبقة
المتأخرة .
٣)- الإمام مسلم :
عقب حديث أبي هريرة في
الحلف باللات رقم(1647) الذي أخرجه في صحيحه من طريق الزهري وفيه جملة : ( تعال
أُقَامِركَ فليتصدَّق ) قال عنها مسلم : ( هذا الحرف لا يرويه أحدٌ غير الزهري ) .
وقال عقبه : ( وللزهري نحو
من تسعين حديثاً يرويه عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يُشاركُه فيه
أحدٌ بأسانيد جِيَادٍ ) .
والزهري ليس من كبار طبقة
التابعين .
فإذا وجدنا إعلالاً صريحاً
بالتفرد من هؤلاء الأئمة فهل العلة عندهم في التفرد فقط أم للتفرد مع أشياء أخرى ؟
.
لذلك أتى القول بالتفرد
بالحديث مع قبوله وليس إعلاله :
4)- الإمام البخاري :
في (العلل الكبير)(143)
للترمذي سأل الترمذيُّ الإمام البخاريَّ عن حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار
عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه سمعت النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ
على المنبر :" وَنَادَوا يا مالكُ " فقال البخاريُّ :( هو حديثٌ حسنٌ
وهو حديث ابن عُيينة الذي ينفرد به ) وأخرجه البخاريُّ في صحيحه في أكثر من باب
(3230،3266،4819) .
لذلك عندما أخرجه الترمذيُّ
في جامعه (508) قال فيه : ( حديث يعلى بن أُميّة حديث حسن صحيح غريب وهو حديث ابن
عُيينة ) .
وسفيان بن عُيينة من أهل
الطبقة المتأخرة .
5)- أبو زرعة الرازي :
سأله ابن أبي حاتم في العلل
(2833): ( عن حديث رواه علي بن مُسهِر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبيِّ
صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قصة الغار .
قال أبوزرعة : لا أعلم أنه
رواه غير علي بن مُسهِر .
قلت له : هو صحيح ؟
قال : نعم علي بن مُسهِر
ثقة ) .
وعلي بن مُسهِر من أهل
الطبقة المتأخرة .
6)- الترمذي :
في جامعه (2126) أخرج حديث
: ( عبد الله بن دينار سمع عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم نهى عن بيع الولاء و عن هبته ) .
وقال: ( هذا حديث حسن صحيح
لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر ...وتفرد عبد الله بن دينار
بهذا الحديث ) .
ومن كل ما تقدم ظهر أن قبول
رواية الثقة لا يُشترط لها المتابع، وهذا بخلاف الإعلال بتفرد الثقة لأنه تفرد فقط
.
وهو الدليل الأول لبيان الخلل في فهم الدكتور
الخليل في مسألة الإعلال بالتفرد عند المتقدمين .
الدليل الثاني :
على ما تقدم هل منهج المتقدمين في الإعلال بالتفرد واحد لا خلاف فيه ؟ :
فإذا كان منهجهم واحداً لا خلاف فيه ؛ فيكون الأمر الواقع عند المتقدمين هو أن
التفرد لا يلزم منه الإعلال ، كيف ذلك ؟ :
الدكتور
يقول بقيد مهم في الحديث المقبول وهو: (الخلو من الشذوذ والعلة ) ، ولكن لا أظنه
يقول بقيد :( الخلو من التفرد ) في الحديث المقبول .
ولن يكون قيد
:( الخلو من التفرد ) في الحديث المقبول إلا إذا كان التفرد ذاته علة .
ومما تقدم يدل
أن قبول الحديث لا يُشترط فيه نفي التفرُّد .
الدليل الثالث :
ويرسِّخ ويثبِّت ما تقدم أن التفرد يُقبَل من ثقات الطبقة المتقدمة مثل كبار
التابعين أو التابعين بقيد ألا يكون في متن حديثه مخالفة لما هو ثابت في السنة في
بابه.
وبهذا
القبول خرج التفرد من قيد (الشذوذ والعلة) فالشذوذ والعلة مانعان من قبول الحديث .
وإذا
قُبِل التفرد وخرج من قيد : ( الخلو من الشذوذ والعلة ) ؛ فلن يكون
نفيُّ التفرد بعد ذلك قيداً في قبول الحديث .
وبهذا إذا أطلق أحد الأئمة المتقدمون التفرد فقال مثلاً : ( حديث تفرد به فلان)
أو ( لا نعرفه إلا من حديث فلان ) فيكون هذا الإطلاق إنما هو إخبار
ووصف بالتفرد وليس إعلالاً لأن الإعلال بالتفرد ليس لذاته وإنما لما ينضم إليه مما
يفيد الإعلال .
ويُضم مع ما تقدم صنيع
الحافظ ابن رجب وابن عبد الهادي وهما مَن هما عند المفرقين :
١)- الحافظ ابن رجب:
في (فتح الباري) (5/82) له :
نقل قول الدارقطني: ( لا أعلم أتى بهذا اللفظ غير عُبَيدة بن مُعتِب وهو ضعيف ) .
وهذا عند الدكتور لايصلح
للتقوية للتفرد والمتفرد ضعيف والمتفرد الضعيف من أهل الطبقة المتأخرة .
كل هذا عند الدكتور على طريقة المتقدمين .
ماذا صنع الحافظ ابن رجب
الذي هو يفهم منهج المتقدمين وبخاصة في التفرد كما شهد له بذلك الدكتور حمزة
المليباري في أكثر من كتاب له ؟ :
عقب نقله قول الدارقطني قال
: ( رواية ذكوان تعضدُه وتشهد له ) .
٢)- الحافظ ابن عبدالهادي :
حديث أبي هريرة : ( لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) .
ذكره الإمام الألباني في الإرواء (2/122رقم81) وحسّنه لشواهده .
الدكتور الخليل ذكره في مستدركه (ص57/70رقم7) وقال: (شواهده وطرقه لا تقويه ) .
وذكر حديث أبي سعيد وخلُص الدكتور إلى أن : (حديث أبي سعيد الخدري : تفرد به كثير
بن زيد وهو من أهل الطبقة المتأخرة والتفرد من أهل هذه الطبقة غير مقبول وهو يدل
على خطأ المتفرد وشذوذه وكيف وقد تفرد عن ضعيف ؟ ) .
وذكر حديث أبي هريرة وخلُص
إلى أنه : ( طريق فيها انقطاع وراو ضعيف جداً وطريق تفرد بها مرداس فيقال فيها ما
قيل في تفرد كثير بن زيد الذي سبق في حديث أبي سعيد الخدري فهذه الأسانيد لا تصلح
في المتابعات لشدة ضعفها ) .
هذا رأي الدكتور الخليل في
هذين الحديثين على منهج المتقدمين وبه يثبت مخالفة الإمام الألباني لمنهجهم .
ننظر إلى رأي الحافظ ابن
عبد الهادي وهو عند المفرقين ممن سلك منهج المتقدمين في الحكم على الأحاديث .
في تعليقته ( رقم 129) على
العلل لابن أبي حاتم ذكر هذا الحديث وختم تعليقته عليه فقال : ( وقد رُوي في
اشتراط التسمية على الوضوء أحاديث كثيرة غير هذا كحديث أبي سعيد وأبي هريرة
وغيرهما ولا يخلو كل واحد منها من مقال لكن الأظهر أن الحديث في ذلك بمجموع طرقه
حسن أو صحيح ..) .
فابن عبدالهادي يشهد للإمام
الألباني أن تحسينه لهذا الحديث هو تحسين قائم على منهج المتقدمين .
ويشهد على الدكتور بأن
الإعلال بالتفرد ثم جعله غير صالح للتقوية في هذا الحديث فيه نظر على منهج
المتقدمين الذي فهمه وسار عليه ابن عبدالهادي .
رحم الله عبده الألبانيَّ .
وقد ذكر الحافظ ابن
عبدالهادي في كتابه (المحرر في الحديث) حديث جابر: ( الجار أحقُّ بشفعة
جاره...الحديث ) .
والحديث فيه :
أ)-
تفرد به عبد الملك بن أبي سليمان العَرزَمي .
ب)- أنكره غير
واحد من الأئمة المتقدمين .
ج)-
الإمام البخاري ضم مع القول بتفرده صراحة مخالفتَه لما رُوي عن جابر .
قطعاً هذا حديث منكر
على طريقة المتقدمين عند الدكتور الخليل كما هو منهجه في مستدركه.
ننظر كيف تعامل الحافظ ابن
عبد الهادي مع كل ما تقدم :
قال في (تنقيح تحقيق أحاديث
التعليق)(3/58): ( واعلم أن حديث عبد الملك حديث صحيح ولا منافاة بينه وبين رواية
جابر المشهورة...وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح في عبد الملك فإن
عبد الملك ثقة مأمون وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر
تعارضها وإنما كان إماماً في الحفظ وطعن من طعن فيه إنما هو اتباعاً لشعبة ) .
ما رأي الدكتور في
قول ابن عبد الهادي هذا كله ؟ .
أهو قول على منهج المتقدمين
أم المتأخرين أم هو على منهجهما معاً ؟ .
وأجمل هذا
القول في (المحرر في الحديث) فقال فيه: ( وقد تكلم فيه شعبة وغيره بلا حجة وهو
حديث صحيح ورواته أثبات ) .
هذا رأي الحافظ ابن
عبدالهادي في شعبة .
وللدكتور الخليل رأي الإمام
أبي حاتم ففي (تقدمة الجرح والتعديل)(1/170) قال: ( كان شعبة بصيراً بالحديث جداً
فهماً فيه ...) .
الدليل الرابع :
ويرسّخ ما تقدم ويُثَبِّتُه
:
أن هناك تفردات من ثقات
يقبلها الدكتور الخليل وإن كان المتفرد من أهل الطبقة المتأخرة وذلك لأن التفرد
إنما حصل بسبب أسباب يكون المتفرد بها حافظاً ومتقناً لما تفرد به وذلك لعنايته به
وذلك كطول الصحبة وكثرة الرواية وغير ذلك مما يكون بسببها عند الراوي ما ليس عند
غيره .
فالدكتور الخليل ردَّ إعلال
الطبراني - حسب منهج الدكتور - حين قال في "الأوسط": (لم يرو هذا الحديث
عن إبراهيم إلا أبو حمزة السكري ) .
وذلك في مستدركه
(ص185رقم33) وقال : ( ثم تبين لي أن هذه ليست بعلة قادحة لأن أباحمزة السكري
يقول:"اختلفت إلى إبراهيم الصائغ نيفاً وعشرين سنة ما علم أحد من أهل بيتي
أين ذهبت ولا من أين جئت" اهـ ) وفي الحاشية أحال إلى (تهذيب الكمال)
(26/547) .
وعقب هذا قال : ( فهذا يدل على عناية وطول صحبة تسوغ التفرد فيما يظهر لي ) .
فالدكتور هنا بين أمرين لا ثالث لهما في قول الطبراني :
الأول: إعلال بالتفرد .
الآخر:
إخبار وحكاية للتفرد فقط .
الدكتور اختار الإخبار وحكاية التفرد وليس الإعلال بالتفرد .
أليس التفرد موجوداً ؟
بلى .
أبو حمزة السكري المتفرد أليس من أهل الطبقة المتأخرة ؟
بلى .
التفرد موجود بل ومن أحد الرواة من أهل الطبقة المتأخرة ، ومع ذلك لم يعل الدكتور
نفسه بهذا التفرد . أليس هذا يدل على أن التفرد ليس هو علة بذاته ؟ .
تفرد الثقات من أهل الطبقة المتقدمة ليس بعلة بذاته .
فكذلك تفرد الثقات من أهل الطبقة المتأخرة إذا كان تفرده بسبب يسوغ به تفرده .
فالنتيجة أن التفرد ليس بذاته علة .
الدليل الخامس :
عقيدة السلف الصالح
أهل السنة والجماعة قبول خبر الواحد في الأحكام العلمية والعملية .
فالقول برد خبر الذي تفرد به الراوي المقبول بسبب تفرده يناقض هذه العقيدة السلفية
، فلو أن القول بتفرد الراوي المقبول لمجرد تفرده يقول به أئمة أهل الحديث
المتقدمين وهم في صدارة السلف الصالح لرفع بذلك أهل البدع صوتهم وحاجُّوا أهل
السنة بذلك بأنكم لا تقبلون خبر الواحد إلا إذا تُوبِع .
وبما أنهم لم يفعلوا وهم بأدنى مناسبة يجادلون وينالون من أهل الحديث بخاصة فعدم
فعل هذا يدل على أن الأئمة المتقدمين لا يردّون الحديث الذي تفرد به الراوي
المقبول لمجرد تفرده وإنما إذا حصل ذلك فلأمر آخر انضم إلى التفرد بهما
يُحتمل الوهم .
وقد بيَّن ذلك الإمام مسلم
في مقدمة صحيحه حين نقل حكم أهل العلم ومذهبهم في قبول ما تفرد به الثقة من
حديث .
فبعد أن بيَّن حال الراوي الغالب على حديثه المنكر أو الغلط وذكره علامتي ذلك وأنه
لا يُتشاغَل به ولا بحديثه ؛ قال :
( لأن حكم أهل العلم
والذي نعرف من مذهبهم في قول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات
من أهل العلم و الحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم إذا وُجد كذلك
ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قُبِلَت زيادته ) .
فبعد أن ثبت له الضبط لموافقته لرواية الثقات التي شاركهم فيها ؛ فما تفرد به من
حديث دون الثقات الآخرين حكم ومذهب أهل العلم قبول ما تفرد به .
ثم بيَّن رد التفرد ممن يُقبل منه عند تفرده بما فيه مخالفة العدد والأحفظ فقال: (
فأما مَن تراه يَعمَد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه
وحديث غيره أو لمثل هشام بن عروة وحديثُهُما عند أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل
أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد
من الحديث مما لا يعرفه أحدٌ من أصحابهما وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم
فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس ) .
وأوضح
قوله هذا في كتابه (التمييز) (ص49/50/تحقيق الأخ الفاضل صالح ديَّان) حين بيَّن
جهتي معرفة الخطأ في الرواية فقال:
(والجهة الأخرى: أن يروي
نفرٌ من حفاظ الناس حديثًا عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد
مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن لا يختلفون فيه في معنى فيرويه آخر سواهم
عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه فخالفهم في الإسناد أو يقلب المتن فيجعله
بخلاف ما حكى مَن وصفنا من الحفاظ فيُعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث
الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد وإن كان حافظاً على هذا المذهب رأينا أهل
العلم بالحديث يحكمون في الحديث مثل شعبة وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وعبد
الرحمن بن مهدي وغيرهم من أئمة أهل العلم ) .
فما نقله الإمام مسلم أن مذهب أئمة أهل العلم المتقدمين هو عدم الإعلال بمجرد
التفرد وعند مخالفته للعدد الذين مثله في الحفظ هنا يكون الإعلال بالتفرد
بضميمة المخالفة .
الدليل السادس :
ويُرسّخ
ويُثبِّت كل الذي تقدم ؛ عملُ أصحاب الصحاح وبخاصة صحيحي البخاري ومسلم :
فكم من أحاديث مفاريد اتفقا على إخراجها ؟ .
وكم من حديث فرد انفرد بإخراجه أحدهما ؟ .
وكيف إذا انضم إلى ذلك تتابع الأئمة النُّقَّاد على قبولها ؟ .
وهذه أمثلة لذلك :
1) حديث :( إنما الأعمال
بالنيِّات وإنما لكل امرئ ما نوى...الحديث ) :
أخرجه البخاري في أكثر من موضع وهو أول حديث في صحيحه ، وأخرجه مسلم (1907) .
فهو حديث فرد تفرد به عمر وعن عمر علقمة بن وقاص وعن علقمة محمد بن إبراهيم وعن
محمد يحيى بن سعيد الأنصاري ثم اشتهر عن يحيى .
أخرجه
الترمذي في جامعه(1648) وقال:( هذا حديث حسن صحيح وقد روى مالك بن أنس وسفيان
الثوري وغير واحد من الأئمة هذا عن يحيى بن سعيد ولا نعرفه إلا من حديث يحيى بن
سعيد الأنصاري قال عبد الرحمن بن مهدي: ينبغي أن نضع هذا الحديث في كل باب ) .
اتفق
عبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد وابن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني
وحمزة الكناني على أنه ثلث الإسلام كما في (فتح الباري) لابن حجر(1/11) .
كل هذا يدل
على أن الأئمة النُّقَّاد المتقدمين لا يعلون الحديث الفرد لمجرد التفرد .
وهذا الحديث فيه
تفرد الثقة من أهل الطبقة المتقدمة وكذا من أهل الطبقة المتأخرة .
2) حديث : ( السفر قطعة من
العذاب يمنع أحدَكم...الحديث ) :
أخرجه البخاري في غير موضع منها:(1804) ، وأخرجه مسلم (1927) .
انفرد به مالك عن سُمَيٍّ وسُمَيٌّ عن أبي صالح قاله ابن عبَد البر
في(التمهيد)(16/278)
وعندما علم مالك بتفرده
ربما أرسله كما في الفتح (3/623) .
فهل قَبِل الشيخان تفرد مالك لمرتبته ودرجته في الحفظ فقط أم لأنه انضم مع الحفظ
أمر آخر كوجود الشاهد ؟ .
3) حديث : (نهى النبيُّ صلى الله
عليه وعلى آله وسلم عن بيع الولاء وعن هبته) :
أخرجه البخاري (2535،6756) ، وأخرجه مسلم (1506) .
تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
وقال الإمام مسلم عقبه : ( الناس كلهم عِيَالٌ على عبد الله بن دينار في هذا
الحديث ) .
وكان شعبة يستحلف عبدالله بن دينار: (آللّه لقد سمعتَ ابنَ عمر يقول هذا ؟ فيحلف
له ) كما في الفتح(12/44) .
4) حديث : ( يُهلِكُ
الناسَ هذا الحيُّ من قريش قالوا فما تأمرُنا ؟قال: لو أنّ الناس اعتزلوهم ) :
أخرجه
البخاري (3604) ، وأخرجه مسلم (2917) .
الحديث
من غرائب شعبة قاله الحافظ في الفتح(6/615)
5) حديث : ( كل أمتي مُعافَى إلا
المُجاهِرين...الحديث ) :
أخرجه
البخاري (6069) ، وأخرجه مسلم (2990) .
تفرد به ابن أخي الزهري
محمد بن عبدالله بن مسلم الزهري عن عمه الزهري كما في ترجمته من ضعفاء العقيلي
وغيره .
5) كما بدأتُ بهذا الدليل من
أول حديث في صحيح البخاري ؛ أكتفي في هذا الدليل بآخر حديث في صحيح البخاري :
حديث: (كلمتان حبيبتان إلى
الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله
العظيم ) :
أخرجه البخاري
(7563) ، وأخرجه مسلم(2694) .
تفرد به محمد بن فُضيل بن غزوان عن عُمارة بن القعقَاع وعمارة عن أبي زُرعة
وأبوزرعة عن أبي هريرة كما في الفتح (13/540) .
الدليل السابع :
ويُرسّخ
كل ما تقدم ويُثبِّتُه منهج الإمام أبي داود في كتابه السنن بالنسبة للحديث الغريب
الشاذ:
فقد
بيَّن في رسالته لأهل مكة أنه لم يخرج في كتابه السنن الحديث الغريب الشاذ وبين
سبب ذلك فقال:( فإنه لا يُحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد
والثقات من أئمة العلم ولو احتج رجل بحديث غريب وجدتَ مَن يطعن فيه ولا يُحتج
بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذاً فالحديث المشهور المتصل
الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك أحد ) .
وقد أخرج في
سننه أحاديث مفاريد فتكون هذه المفاريد لا تدخل في الحديث الغريب الشاذ بل هي
مفاريد اشتهرت أسانيدها وعُرفت صحتها وإن كانت مفاريد .
وعلى هذا ليس كل
حديث تفرد به الراوي المقبول تفرده هو معل ولايحتج به للتفرد .
وكذلك لا يكون
التفرد بذاته علة وإنما يكون علة إذا انضم إلى تفرده ما يرجح فيما تفرد به احتمال
وهمه فيصير بذلك حديثه حديثاً غريباً شاذاً فلا يخرجه في سننه :
1) أبدأ بذكر حديث : (إنما
الأعمال بالنيات...الحديث) :
أخرجه في (2201) .
2) حديث :(مَن قال حين يسمع
النَّداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة...الحديث ) :
تفرد به علي بن عياش ولا يُروى عن جابر إلا بهذا الإسناد قاله الطبراني في
(الأوسط)(5/331رقم 4651) .
وكذلك قال الدارقطني كما في
(أطراف الغرائب والأفراد) لابن طاهر .
وعليُّ بن عياش ثقة من أهل الطبقة المتأخرة .
3) حديث:(نهى رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع الولاء وعن هبته):
تقدم الكلام عليه في مفاريد الصحيحين .
تفرد به عبد الله بن دينار .
4) حديث :(مَن أعتق
عبداً وله مال فمال العبد له ...الحديث ) :
أخرجه (3962) .
تفرد به عبيد الله بن أبي جعفر كما في (تهذيب السنن) لابن القيم .
وعبيد الله بن جعفر من أهل الطبقة المتأخرة .
5) حديث الاستخارة :
أخرجه (1538) .
تفرد به عبدالرحمن بن أبي المَوال قاله أحمد وغيره .
عبدالرحمن بن أبي الموال ثقة من أهل الطبقة المتأخرة .
6) وأختم بحديث : (الطَّيَرة
شرك ...الحديث ) :
أخرجه (3910) .
تفرد به سلمة بن كهيل قاله الترمذي وغيره .
وسلمة ثقة من أهل الطبقة المتأخرة .
الدليل الثامن :
وسار على ما تقدم الإمامُ الترمذي في جامعه ففيه صحَّحَ وحسَّن الحديث الذي تفرد
به الراوي المقبول تفرده بلفظ صريح في التفرد ولفظ يفيد معنى التفرد :
1) حديث : (إنما الأعمال
بالنية...الحديث ) :
أخرجه (1647)
وقال:( هذا حديث حسن صحيح وقد روى مالك بن أنس وسفيان الثوري وغير واحد من الأئمة
هذا عن يحيى بن سعيد ولا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري ) .
2) حديث : (نهى النبيُّ صلى
الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع الولاء وعن هبته ) :
أخرجه (2126)
وقال:( هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبدالله بن دينار عن ابن
عمر...وتفرد عبدالله بن دينار بهذا الحديث ) .
3) حديث الغار:(يا أبابكر ما
ظنُّك باثنين الله ثالثهما ؟ ) :
أخرجه (3096) وقال:( هذا حديث حسن صحيح غريب إنما يُروى من حديث همام تفرَّد به).
4) حديث صلاة الاستخارة :
أخرجه (480) وقال :(حديث جابر حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث عبدالرحمن
بن أبي المَوَالي وهو شيخ مديني ثقة ) .
5) حديث : ( كان النبيُّ صلى
الله عليه وعلى آله وسلم و أبوبكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطَح ) :
أخرجه (921) وقال : ( حديث ابن عمر حديث حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث عبد
الرزاق عن عبيد الله بن عمر ) .
6) وأختم بحديث :(ضحَّى
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكبش أقرن ... الحديث ) :
أخرجه (1496) وقال : ( هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث حفص بن غِياث
) .
وحفص بن
غِياث ثقة من أهل الطبقة المتأخرة .
فمن كل ما تقدم ظهر إن شاء الله أن مجرد التفرد ليس بعلة حتى أن الحافظ البزار في
مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه من مسنده ( البحر الزخار ) قال فيه في
(1/181رقم101) :
( ... أو لو ذكرنا كل ما
روي عن أبي بكر مرسل ومنكر وضعيف الإسناد إلى أبي بكر لكثر ذلك وقبح المسند فذكرنا
من ذلك ما لا يعيبه الحليم من أصحاب الحديث ولا يتعجب منه الجاهل ) .
و كم من
حديث صححه أو حسنه الحافظ البزار بعد تصريحه بالتفرد وكثير جداً بعد قوله الذي
يفيد التفرد ؟ .
وكم من
زيادة زادها ثقة حافظ في الحديث قبلها وصحح الحديث ؟ .
وقبل
الخلاصة :
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني في (مقدمة تحقيقه للفوائد
المجموعة) (ص:ح) : ( إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة
فإنهم يتطلبون له علة فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقاً حيث وقعت أعلوه بعلة ليست
بقادحة مطلقاً ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر...وبهذا يتبين أن ما وقع
ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة وإنهم قد صححوا ما لا يحصى من
الأحاديث مع وجودها فيها إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق اللهم إلا أن يثبت
المتعقب أن الخبر غير منكر ) انتهى المراد نقله .
١)- قول العلامة المعلمي هو في مسألة :( استنكار الأئمة المحققين متن الحديث الذي
ظاهر سنده الصحة وتطلبهم له علة قادحة فإن لم يجدوا أعلوه بعلة غير قادحة ولا يجوز
لمن دونهم أن يتعقبهم في ذلك إلا أن يثبت المتعقب أن الخبر غير منكر ) .
أ)- فكلامه ليس في إعلال الأئمة بالتفرد وإنما في استنكارهم المتن الذي ظاهر سنده
الصحة والدكتور حمزة المليباري في أكثر من موضع في كتبه ورسائله ينقله لإثبات صحة
ما يقوله في التفرد .
ب)- في كلامه عدم منع تعقب الأئمة في استنكارهم هذا إذا أثبت المتعقب أن الخبر غير
منكر ولم يقيد جواز هذا التعقب بــــــ إذا اختلف الأئمة المتقدمون .
وهذا
فيه نقض وإبطال لدندنة كل المفرقين بمنع تعقب الأئمة المتقدمين في ذلك .
٢)- استنكار الأئمة لمتن حديث ظاهر سنده الصحة .
٣)- فيكون لمتن حديث رواته ثقات وسنده غير منقطع .
٤)- ماذا يفعلون لإثبات وجود النكارة ؟ .
أ)- يتطلبون له علة .
ب)- الآن
العلة في التفرد أم في المتن ؟ .
ج)- إذا كان
التفرد علة بذاته فلماذا يتركون الإعلال به قبل استنكارهم متن الحديث الذي رواه ؟ .
٥)- الأئمة المحققون لم يستنكروا متن الحديث الذي ظاهر سنده الصحة فماذا يفعلون ؟
أ)-
يصححونه .
ب)- وبتصحيحهم
يقبلون الحديث الذي تفرد به الثقة .
٦)- ودليل ذلك تقدم ذكره .
٧)- فالأصل في الحديث الذي ظاهره الصحة هو القبول .
٨)- والأصل في الحديث الذي تفرد به الراوي المقبول هو القبول .
٩)- وهذان الأصلان عليهما أئمتنا المتقدمون والمتأخرون ومتّبعوهم بإحسان من أئمتنا
المعاصرين أحمد محمد شاكر وناصر الدين الألباني .
١٠)-
ومَن نسب لأئمتنا المتأخرين والإمامين أحمد محمد شاكر وناصر الدين الألباني خلاف
ما تقدم فلأنه :
خلط بين
القاعدة وبين آحاد الأحكام على الأحاديث والتي في الواقع هي أحكام تثبت القاعدة
ولا تخرج عنها .
١١)-
ومَن لاحظ هذا الخلط انتقل إلى منع مخالفة المتأخر للمتقدم إلا في حالة اختلاف
المتقدمين .
ومع هذا
فهو لم يجب عن السؤال التالي :
الإمام
المتأخر إذا رجح أحد قولي المتقدمين هذا الترجيح مبني على منهج المتأخرين أم منهج
المتقدمين ؟ .
١٢)- وإذا
استمر عدم الجواب عن السؤال السابق فهل سيأتي الوقت الذي يصرح به بعضهم فيقول : (
لا يحق للألباني أن يخالف الإمام المتقدم ) ؟ .
13)- أو يكشف المستور أكثر
وأكثر وبه يعرف الذي لم يعرف بعدُ الهدفَ عند بعض أو أغلب المدندنين بمنهج
المتقدمين فيقول : ( لا يجوز للألباني أن يخالف الإمام المتقدم ) ؟ .
فالخلاصة هي :
1)- تفرد الراوي المقبول
حديثه ؛ يُقبَل إذا لم يُوجد في حديثه الذي تفرد به ما يرجح وهمه فيه .
2)- تفرد الراوي المقبول
حديثه ؛ يُقبل إذا لم يخالف فيه مَن هو أرجح منه عدداً وحفظاً أو عدداً أو حفظاً .
3)- تفرد الراوي الذي لا
يُقبَل منه ما تفرد به فهذا حديثه مردود لأنه لايُحتمَل منه هذا التفرد .
ويتصاعد الرد
إذا انضم إلى تفرده ما يرجح وهمه فيما تفرد به أو خالف فيه مَن أرجح منه .
وهذا عليه
المتأخرون اتباعاً للمتقدمين .
وسار
على هذا الإمام الألباني .
فهل
يُخرج الدكتور الخليل مسألة التفرد مما قاله في مقدمة مستدركه (ص10/11) : ( ومن
أهم المسائل التي اختلفت فيها طريقة المتقدمين عن المتأخرين ما يلي :....
٦- التفرد
وغيرها من المسائل التي
ينبني عليها عشرات الأحاديث التي تثبت بها أحكام شرعية غاية في الأهمية.) ؟ .
وصلَّى الله وسلّم وبارك
على عبده ورسوله محمد وعلى آله
وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه :
أبو عُبُود عبدالله بن عُبُود باحمران
1/ شعبان /1435ه الموافق 30/ مايو / 2014م
السلام عليكم ،
ردحذفكيف الكتابة في هذا المنتقى المبارك
اخوكم من الإمارات