نقولات تقريرية تأصيلية وتطبيقية
فيما له حكم الرفع من موقوفات الصحابة والتابعين،
وحكاية الإجمـــاع من بعض الأئمة في ذلـك
جمع
وإعداد
ليث
بن أمين العلواني
وجدتُ بحثاً مختصراً نفيساً جامعاً للتأصيل والتمثيل والنقولات العزيزة عن
الأئمة المتقدمين والمتأخرين من أهل والحديث والأصول - معاً - فيه كفاية لمن سلك
طريق العلماء وعرف لهم قدرهم وتابعهم على طريقتهم لمن أراد لنفسه السلامة
والاستقامة، وفي ذلك كله ردٌ على ما قاله (د. عبد السلام أبو سمحة) وخالف فيه
العلماء متقدميهم ومتأخريهم، وبه يُعرف أن هذا الدكتور ضحل العلم عريض الدعوى، وبه
يُفضح مستواه العلمي والمعرفي والمنهجي (والعلم فضّاح!)، وأن همّه تتبع الإمام
الألباني - ؒ - كيفما اتفق! وعلى أي وجه وقع!!، ويحسب أن وراءه كسالى لا يُنقّبون
وغَفَلة لا يُدققون.
وإليكم البيان المقصود والتأصيل المنشود:
قال الحافظ السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (2/217-221) - بعد كلام
له -:
(...المقرر في فن الحديث والأصول: أن ما روي مما لا مجال للرأي فيه كأمور
البرزخ والآخرة فإن حكمه الرفع لا الوقف، وإن لم يصرح الراوي بنسبته إلى النبي ﷺ.
1 - قال العراقي في الألفية:
وما أتى عن صـــاحب بحيـــث لا يقال رأيا حكمه الرفع على
ما قال في المحصول نحو من أتى فالحاكــم الرفـــع لهذا أثبتا
وقال في شرحها: ما جاء من صحابي موقوفا عليه ومثله لا يقال بالرأي حكمه حكم
المرفوع ..
2 - كما قال الإمام فخر الدين في "المحصول": إذا قال الصحابي
قولا ليس للاجتهاد فيه مجال فهو محمول على السماع تحسينا للظن به، كقول ابن مسعود:
«من أتى ساحرا أو عرافا فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ».
2 - ترجم عليه الحاكم في علوم الحديث: معرفة المسانيد التي لا يذكر سندها
عن رسول الله ﷺ فقال: ومثال ذلك..
فذكر ثلاثة أحاديث هذا أحدها، وما قاله في المحصول موجود في كلام غير واحد
من الأئمة:
3 - كأبي عمر بن عبد البر وغيره، وقد أدخل ابن عبد البر في كتابه
"التقصي" عدة أحاديث ذكرها مالك في "الموطأ" موقوفة مع أن
موضوع الكتاب لما في "الموطأ" من الأحاديث المرفوعة، منها حديث سهل بن
أبي حثمة في صلاة الخوف، وقال في "التمهيد": هذا الحديث موقوف على سهل
في "الموطأ" عند جماعة الرواة عن مالك.
قال: ومثله لا يقال من جهة الرأي. انتهى كلام العراقي في "شرح
الألفية".
4 - وقال الحافظ أبو الفضل بن حجر في "شرح النخبة": مثال المرفوع
من القول حكما ما يقوله الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا تعلق له ببيان لغة
أو شرح غريب، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء، أو الآتية
كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة، وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو
عقاب مخصوص.
قال: وإنما كان له حكم المرفوع؛ لأن إخباره بذلك يقتضي مخبرا له، وما لا
مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفا للقائل به، ولا موقف للصحابة إلا النبي ﷺ، وإذا كان
كذلك فله حكم ما لو قال: قال رسول الله ﷺ، فهو مرفوع.
مثال المرفوع من الفعل حكما أن يفعل الصحابي ما لا مجال للاجتهاد فيه، فينزل
على أن ذلك عنده عن النبي ﷺ ..
5 - كما قال الإمام الشافعي في صلاة علي في الكسوف في كل ركعة أكثر من
ركوعين. انتهى كلام شارح النخبة.
6 - قال أبو عمرو الداني: قد يحكي الصحابي قولا يوقفه، فيخرجه أهل الحديث
في المسند لامتناع أن يكون الصحابي ما قاله إلا بتوقف، كما روى أبو صالح السمان
«عن أبي هريرة قال: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يجدن عرف الجنة»
الحديث؛ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي، فيكون من جملة المسند.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة:
7، 8 - كصاحبي الصحيح.
9- والإمام الشافعي.
10 - وأبي جعفر الطبري.
11 - وأبي جعفر الطحاوي.
12 - وأبي بكر بن مردويه في تفسيره المسند،
13 - والبيهقي.
14- وابن عبد البر في آخرين.
قال: وقد حكى ابن عبد البر (الإجماع) على أنه مسند، وبذلك جزم الحاكم في
علوم الحديث، والإمام فخر الدين في المحصول، انتهى.
وعبارة المحصول: إذا قال الصحابي قولا لا مجال للاجتهاد فيه حمل على
السماع؛ لأنه إذا لم يكن من محل الاجتهاد فلا طريق إلا السماع من النبي ﷺ، انتهى.
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في "شرح الترمذي": ما رواه المصنف
«عن عمر بن الخطاب أن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي
على نبيك،» هو وإن كان موقوفا عليه، فمثله لا يقال من قبل الرأي، وإنما هو أمر
توقيفي، فحكمه حكم المرفوع كما صرح به جماعة من الأئمة وأهل الحديث والأصول.
فمن الأئمة الشافعي، ونصّ عليه في بعض كتبه كما نقل عنه، ومن أهل الحديث
أبو عمر بن عبد البر، فأدخل في "كتاب التقصي" أحاديث من أقوال الصحابة،
مع أن موضوع كتابه للأحاديث المرفوعة، من ذلك حديث سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف،
وقال في "التمهيد": هذا الحديث موقوف على سهل في "الموطأ" عند
جماعة الرواة عن مالك، ومثله لا يقال من جهة الرأي، وكذلك فعل الحاكم أبو عبد الله
في كتابه في علوم الحديث، فقال في النوع السادس من معرفة الحديث: معرفة المسانيد
التي لا يذكر سندها عن رسول الله ﷺ، ثم روى فيه ثلاثة أحاديث:
قول ابن عباس: «كنا نتمضمض من اللبن ولا نتوضأ منه».
وقول أنس: «كان يقال في أيام العشر: كل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف
يوم» ، قال: يعني في الفضل.
وقول عبد الله بن مسعود: «من أتى ساحرا أو عرافا فقد كفر بما أنزل على محمد
ﷺ».
قال: فهذا وأشباهه إذا قاله الصحابي فهو حديث مسند، وكل ذلك مخرج في
المسانيد.
ومن الأصوليين الإمام فخر الدين الرازي، فقال في كتابه
"المحصول": إذا قال الصحابي قولا ليس للاجتهاد فيه مجال فهو محمول على
السماع.
15 - وقال القاضي أبو بكر بن العربي عقب ذكره لقول عمر: ومثل هذا إذا قاله
عمر لا يكون إلا توقيفا؛ لأنه لا يدرك بنظر، انتهى.
هذا كله إذا صدر ذلك من الصحابي فيكون مرفوعا متصلا.
فإن صدر ذلك من التابعي فهو مرفوع مرسل، كما ذكر ابن الصلاح ذلك في نظير
المسألة، وصرّح البيهقي في هذه المسألة بخصوصها، فإنه أخرج في شعب الإيمان بسنده
عن أبي قلابة قال: «في الجنة قصر لصوام رجب» ، ثم قال: هذا القول عن أبي قلابة،
وهو من التابعين، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ ممن فوقه عمن يأتيه الوحي.
وأخرج البيهقي أيضا في "شعب الإيمان" بسنده عن أبي قلابة قال:
«من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال، ومن قرأ الكهف في يوم الجمعة
حفظ من الجمعة إلى الجمعة، وإن أدرك الدجال لم يضره، وجاء يوم القيامة ووجهه
كالقمر ليلة البدر، ومن قرأ يس غفر له، ومن قرأها وهو جائع شبع، ومن قرأها وهو ضال
هدي، ومن قرأها وله ضالة وجدها، ومن قرأها عند طعام خاف قلته كفاه، ومن قرأها عند
ميت هون عليه، ومن قرأها عند والدة عسر عليها ولدها يسر عليها، ومن قرأها فكأنما
قرأ القرآن إحدى عشرة مرة، ولكل شيء قلب، وقلب القرآن يس».
ثم قال عقبه: هكذا نقل إلينا عن أبي قلابة، وهو من كبار التابعين، ولا نقول
ذلك إن صح عنه إلا بلاغا.
وروى الإمام مالك في " الموطأ " عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول:
«إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها، ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله
وماله».
قال ابن عبد البر: هذا له حكم المرفوع؛ إذ يستحيل أن يكون مثله
رأيا، ويحيى بن سعيد من صغار التابعين، وروى مالك في الموطأ أيضا عن سعيد بن
المسيب أنه كان يقول: «من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك، فإن أذن
وأقام صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال».
قال بعضهم: هذا لا يقال بالرأي فهو مرفوع.
وهذا استدل به السبكي في "الحلبيات" على حصول فضيلة الجماعة
بذلك، وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال: «صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء، فإذا
وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد» - أورده الحافظ ابن حجر في
"شرح البخاري" في تفسير قوله ﷺ: "«فمن وافق تأمينه تأمين
الملائكة»" وقال: مثله لا يقال بالرأي، فالمصير إليه أولى، وعكرمة تابعي،
وهذا الأثر الذي نحن فيه من ذلك، فإنه من أحوال البرزخ التي لا مدخل للرأي
والاجتهاد فيها، ولا طريق إلى معرفتها إلا بالتوقيف والبلاغ عمن يأتيه الوحي، وقد
قال ذلك عبيد بن عمير وطاووس، وهما من كبار التابعين، فيكون حكمه حكم الحديث
المرفوع المرسل، وإن ثبتت صحبة عبيد بن عمير فحكمه حكم المرفوع المتصل.
قال ابن عبد البر في "التمهيد" في شرح حديث فتنة القبر وسؤاله:
أحكام الآخرة لا مدخل فيها للقياس، والاجتهاد، ولا للنظر والاحتجاج، والله يفعل ما
يشاء لا شريك له.
وقال القرطبي في "التذكرة": هذا الباب ليس فيه مدخل للقياس، ولا
مجال للنظر فيه، وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد،
انتهى.
ويؤيد ما ذكرناه أن هذه الأمور إذا صدرت من التابعين تحمل على الرفع إلى
رسول الله ﷺ ما أخرجه ابن أبي الدنيا بسنده، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: كان علي
بن حسين يذكر «أن العبد إذا احتمل إلى قبره نادى حملته إذا بشر بالنار فيقول: يا
إخوتاه، ما علمتم ما عاينت بعدكم، إن أخاكم بشر بالنار، فيا حسرتاه على ما فرطت في
جنب الله، أنشد بالله كل ولد أو جار أو صديق أو أخ إلا احتبسني عن قبري، فإنه ليس
بين صاحبكم وبين النار إلا أن تواروه في التراب، والملائكة ينادون: امض عدو الله،
فإذا دنا من حفرته يقول: ما لي من شفيع مطاع ولا صديق حميم، ثم إذا أدخل القبر ضرب
ضربة تذعر لها كل دابة غير الجن والإنس.
وأما ولي الله إذا احتمل إلى قبره وبشر بالجنة نادى حملته: يا إخوتاه، أما
علمتم أني بشرت بعدكم بالرضا من الله، والجنة والنجاة من سخط الله والنار، فعجلوا
بي إلى حفرتي ف ﴿قيلَ ادخُلِ الجَنَّةَ قالَ يا لَيتَ قَومي يَعلَمونَ * بِما غَفَرَ لي رَبّي وَجَعَلَني مِنَ المُكرَمينَ﴾ [يس: ٢٦-٢٧]،
والملائكة ينادون: امض ولي الله إلى رب كريم يثيب بالشيء اليسير العظيم الجزيل،
اللهم اجعلها غدوة أو روحة إلى الجنة، فإذا أدخل القبر تلقي بحزمة من ريحان الجنة،
يجد ريحها كل ذي ريح غير الإنس والجن.»
قال أبو جعفر: كان علي بن حسين إذا ذكر أشباه هذا الحديث بكى ثم
يقول: إني لأخاف الله أن أكتمه، ولئن أظهرته ليدخلن علي أذى من الفسقة، وذلك أن
علي بن حسين ذكر حديث الذي ينادي حملته، فقال ضمرة بن معبد - رجل من بني زهرة -
والله يا علي بن حسين لو أن الميت يفعل كما زعمت بمناشدتك حملته إذا لوثب عن أيدي
الرجل من سريره، فضحك أناس من الفسقة، وغضب علي بن حسين وقال: اللهم إن ضمرة كذب
بما جاء به محمد رسولك، فخذه أخذ أسف، فما لبث ضمرة إلا أربعين ليلة حتى مات فجأة.
قال أبو جعفر: فأشهد على مسلم بن شعيب مولاه - وكان ما علمناه خيارا - أنه
أتى علي بن حسين ليلا فقال: أشهد أني سمعت ضمرة أعرفه كما كنت أعرف صوته حيا وهو
ينادي في قبره: ويل طويل لضمرة إلا أن يتبرأ منك كل خليل، وحللت في نار الجحيم
فيها مبيتك والمقيل، فقال علي بن حسين: نسأل الله العافية، هذا جزاء من ضحك وأضحك
الناس بحديث رسول الله ﷺ.
فانظر كيف ذكر علي بن حسين الحديث أولا من غير تصريح بعزوه إلى النبي ﷺ،
اتكالا على علم ذلك؛ لأنه ليس مما يقال من قبل الرأي، وإنما معتمده التوقيف
والسماع، ثم لما وقعت هذه القصة صرح بأنه حديث جاء به رسول الله ﷺ.
وبالجملة فالحكم على مثل هذا بالرفع من الأمور التي أجمع عليها أهل
الحديث).
تطبيقات من مسند الحافظ أبي بكر البزار (ت292هـ) فيما جعل له حكم
الرفع من الموقوفات
الأول:
٨٢٣ - حدثنا أبو كريب، قال: نا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن الشعبي،
عن الحارث، عن علي، قال: لعن آكل الربا وموكله ". ثم ذكر نحوه.
قال البزار: وإنما أدخل هذا في المسند لأنه قال:
«لعن»
الثاني:
١٠٠٩ - حدثنا محمد بن المثنى، قال: نا محمد بن جعفر، قال: نا شعبة،
عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف، أنه أتى بطعام قال شعبة: أظنه
كان صائما فقال: قتل حمزة فلم نجد ما نكفنه وهو خير مني وقتل مصعب بن عمير، وهو
خير مني فلم نجد له ما نكفنه به وقد أصبنا منها ما أصبنا قال عبد الرحمن: «أخشى أن
يكون قد عجلت لنا حسناتنا في الدنيا» قال سعد: «وأظنه لم يأكل رحمه الله».
[قال البزار]: وهذا الحديث نُدخل في المسند لأنه
حُكي، عن حمزة، وعن مصعب، وأصيبا يوم أحد.
الثالث:
١٠١٦ - وحدثناه بشر بن خالد، قال: نا المغيرة بن سقلاب، قال: نا
محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن
جده، قال: قال لي أمية بن خلف: يا عبد الإله من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره
يوم بدر؟ قلت: ذلك عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك حمزة بن عبد المطلب، قال:
ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل".
[قال البزار]: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد
الرحمن إلا من هذا الوجه، يُدخل في المسند؛ لأنه حكى عن فعل حمزة، وقتاله يوم بدر.
الرابع:
١٥٧٧ - حدثنا محمد بن مرداس، قال: نا محبوب بن الحسن، قال: نا أبو
حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، أنه كره الصلاة في المحراب وقال: «إنما
كانت الكنائس فلا تشبهوا بأهل الكتاب» ، يعني: أنه كره الصلاة في الطاق.
[قال البزار]: وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا من
حديث أبي حمزة بهذا الإسناد ويُدخل في المسند إذ قال: كانت الكنائس.
الخامس:
٢٣١٧ - حدثنا عبد الأعلى بن حماد، قال: أخبرنا المفضل بن فضالة،
قال: أخبرنا عياش بن عباس، عن شييم بن بيتان، عن شيبان، قال: كنا مع رويفع بن
ثابت، فقال: «لا أخبرن أن أحدا عقد وترا أو استنجى بعظم أو رجيع، فمن فعل ذلك فإنه
قد برئ من محمد صلى الله عليه وسلم - أو مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»
[قال البزار]: وهذا الحديث قد روى نحو كلامه غير
واحد، وأما هذا اللفظ فلا يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد غير
رويفع، وقد أُدخل في المسند؛ لأنه قال «فقد برئ مما أنزل على محمد»، وإسناده حسن
غير شيبان فإنه لا نعلم روى عنه غير شييم بن بيتان، وعياش بن عباس مشهور.
السادس:
٢٣٣٨ - أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: أخبرنا عبد الرحمن
بن عثمان البكراوي، قال: أخبرنا الصلت بن دينار، عن أبي المليح، عن أبيه رضي الله
عنه، قال: «نزلت الملائكة يوم بدر على سيماء الزبير عليها عمائم صفر».
[قال البزار]: وهذا الكلام قد روي عن غير أسامة
بن عمير، فذكرناه عن أسامة بن عمير إذ كان لا يروى عن أسامة إلا من هذا الطريق،
وإن كان الصلت لين الحديث بصري، وإنما أدخلناه في المسند وإن لم يذكر عن النبي صلى
الله عليه وسلم؛ لأنه كان فعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السابع:
٣٤٢٢ - أخبرنا عبد الله بن شبيب، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عبد
العزيز، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه
رضي الله عنه قال: «كنا حول صنم لنا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم بشهر،
وقد نحرنا جزورا، إذ صاح صائح من جوفه اسمعوا العجب، ذهب الشرك والرجز، ورمي
بالشهب لنبي بمكة اسمه أحمد، ومهاجره إلى يثرب».
[قال البزار]: وهذا الحديث إنما ذكرناه وإن لم
يذكر جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيئا، ذكرنا لأنه كان من علامة
نبوته صلى الله عليه وسلم ومبعثه، وكل ما حكاه صحابي فذكر للنبي فيه شيء وإن لم
يذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم أدخلناه في المسند إذ كان لا يحفظ ذلك الكلام
عن النبي من وجه.
الثامن:
٥٢٩٥- حدثنا أبو موسى، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، قال: حدثنا ابن
أبي ذئب، عن عطاء عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كانوا
يتبايعون بمنى وعرفة وأيام الحج فخافوا البيع في الحرم فنزلت: {ليس عليكم جناح أن
تبتغوا فضلا من ربكم} في مواسم الحج. قال عبيد: فكنا نقرؤها، يعني هكذا.
[قال البزار]: ولا نعلم أسند عبيد بن عمير، عن
ابن عباس غير هذا الحديث، وإنما أدخلناه في المسند لأنه قال: نزلت، ولا نعلم يروى
عن غير ابن عباس بغير هذا الإسناد.
التاسع:
٧٣٥٣- حدثنا محمد بن الحصين، حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني،
حدثنا سعيد بن مسروق عن معاوية بن قرة قال: قال أنس: ما أعرف شيئا مما كنا عليه،
يعني إلا هذه إلا الصلاة.
[قال البزار]: ولا نعلم روى سعيد بن مسروق عن
معاوية بن قرة حديثا يدخل في المسند، إلا هذا الحديث، ولا نعلم رواه، عن سعيد بن
مسروق إلا حسان.
العاشر:
٩٥٩ - حدثنا محمد بن عبد الرحيم صاعقة، قال: نا شبابة بن سوار،
قال: نا خارجة بن مصعب، عن عبد الله بن عبيد الحميري، عن أبيه، قال: كنت عند عثمان
رحمه الله حين حوصر فقال: ها هنا طلحة؟، فقال طلحة رحمه الله: نعم. فقال: نشدتك
بالله أما علمت أنا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليأخذ كل رجل منكم
بيد جليسه فأخذت أنت بيد فلان، وأخذ فلان بيد فلان حتى أخذ كل رجل بيد صاحبه، وأخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: هذا جليسي في الدنيا ووليي في الآخرة , فقال:
اللهم نعم.
[قال البزار] وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن
عثمان، ولا عن طلحة، إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد وقد روي عن طلحة غير حديث
فبعضها مرسلة، عن طلحة وبعضها قد أدخل في المسند، (٩٦٠) فمن ذلك ما
رواه أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، وأبو أسامة، عنن إسماعيل، عن
قيس، قال: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شلت".
-----
قلت:
وقد أفرد أبو عبدالله الحاكم -رحمه الله- في كتابه النفيس
"معرفة علوم الحديث": (النوع السادس من هذا العلم معرفة
الأسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم....) ثم ذكر
لذلك ثلاثة أمثلة، وقال: (هذا باب كبير، يطول ذكره بالأسانيد، فمن
ذلك ما ذكرنا، ومنه قولل الصحابي المعروف بالصحبة، أمرنا أن نفعل كذا ونهينا عن
كذا وكذا، وكنا نؤمر بكذا، وكنا ننهى عن كذا، وكنا نفعل كذا، وكنا نقول ورسول الله
صلى الله عليه وسلم فينا، وكنا لا نرى بأسا بكذا، وكان يقال كذا وكذا، وقول
الصحابي من السنة كذا، وأشباه ما ذكرناه، إذا قاله الصحابي المعروفف
بالصحبة فهو حديث مسند، وكل ذلك مخرج في المسانيد).
وصدق -رحمه الله- في قوله (وهذا باب كبير..).
..وهذا يطيح بكل ما ذكره د.عبدالسلام أبو سمحة، وكذا إبراهيم سعيد
الصبيحي، والحارث بن علي الحسني، أصحاب التفريق والمفارقة، وبه يُعلم جهل القوم
بعلم المتقدمين والمتأخرين معاً، وأنهم لا يعتمد عليهم في كلامهم في العلم وليسوا
أهلاً أن يؤخذ عنهم هذا العلم، ولا أن يتكلّموا فيه فضلاً عن تتبع أئمته وتخطئتهم
وإحداث الشروخ والمفارقات بين أئمة الحديث سلفاً وخلفاً..بجهل وتعالم وغرور
وفلسفات فارغات..
تنبيه: (المسند) في كلام الحافظ أبي
بكر البزار -رحمه الله-؛ هو (المرفوع)، وهذا أحد المعاني في إطلاقاته
كما هو معروف مشهور في كلام النقاد وهو مبسوط مبثوث في كتب مصطلح الحديث.
..والحمد
لله على توفيقه.
وكتب:
ليث بن أمين العلواني
14/ ربيع الثاني/ 1438هـ
في المدينة النبوية
* * * * *