Translate

الاثنين، 13 مارس 2017

تأصيل منهجية الشواهد الحديثية في مستدرك الحاكم


تأصيل منهجية

الشواهد الحديثية

في مستدرك الحاكم



ومعه:

ملحقان نشرتهما في برامج التواصل

أثبتهما للفائدة وصلة الموضوع




كتبه

ليث بن أمين العلواني





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فهذا بحث يسير منتقى فيه (تأصيل منهجية الشواهد الحديثية في مستدرك الحاكم)، ومعلوم أن أصل مقصد وضع الكتاب منه - رحمه الله - هو انتصار للسنة النبوية والرد على شُبَه المبتدعة الغويّة، فقال في مقدّمة كتابه «المستدرك على الصحيحين»:
«...قيّض اللهُ لكل عصر جماعة من علماء الدِّين، وأئمة المسلمين، يُزكّون رواة الأخبار ونقلة الآثار؛ ليذبُّوا به الكذب عن وحي الملك الجبار، فمن هؤلاء الأئمة: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رضي الله عنهما، صنفا في صحيح الأخبار كتابين مُهذّبين انتشر ذكرهما في الأقطار، ولم يحكما ولا واحد منهما أنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجه، وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار!، بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث!، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقل أو أكثر منه كلها سقيمة غير صحيحة!، وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينةة وغيرها أن أجمع كتابا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل، ومسلم بنن الحجاج بمثلها، إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له، فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما...».
ومن عجيب الموافقات؛ تشابه الأقوال - وأخشى من تشابه القلوب! - بين هؤلاء المبتدعة الذين أشار إليهم، وبين بعض الباحثين - وإن شئت قل العابثين! -، ممن يزعمون تباين منهج النقد بين المحدثين المتقدمين والمتأخرين!، بشُبهٍ واهيةٍ وخواطر تافهة، وفهْمٍ سقيم وبحث زنيم، شذّوا به عن الأئمة المتبوعين، وانتسبوا زوراً وبهتاً لبعض العلماء المتأخرين والمعاصرين وهم يناقضونهم –منهجاً وتطبيقاً وعقيدة وطريقة -.
ولا شك أن لكل صاحب باطل شَوباً من حق، يغطي به باطله العاطل الفاشل، وهذه هي سُنة المنحرفين على مر الدهور، ولكن الموفّق من هداه الله ووفّقه لمعرفة الحق من بين رُكام الباطل، واستخلاص الصواب من بين تلاطم أمواج الضلال.
فمن تلك الموافقات: ظُلم الحاكم - رحمه الله - والبغي عليه بل وكرهه! كما صرّح بذلك بعضهم(!).
ومن المعلوم أن كتاب الحاكم هو مستدرك على الصحيحين، فهو من أخبر العلماء بهذين الكتابين، فيعرف منهجهما وطريقتهما وشروطهما، وما وقع فيه من أغلاط فغالبه يرجع إلى أمرين:
الأول: الجمع على طريقة التقميش دون التفتيش، حيث ألّفه في أواخر عمره ولم يسع عمره لتنقيحه.
والثاني: أنه ذكر في مقدمة كتابه أنه لا سبيل إلى إخراج ما ليس له علة، ولكن لعل تلك علّة تنجبر في المتابعات والشواهد - ولو على حسب نظره واجتهاده -، ولهذا نجده قد أكثر في كتابه من ذكر الشواهد والمتابعات القاصرة والتامة، حتى بلغت المئات!، لا أبالغ إن قلت هي نحو ثلث الكتاب أو تزيد!، وهناك مواضع كثيرة يصرّح فيها أن هذا الطريق أو ذاك الراوي ليس من شرط كتابنا وإنما أخرجناه في الشواهد.
...والله أعلم.. فهذا مبلغ علمي!.
 والمقصود هو تأصيل منهجية الشواهد الحديثية في مستدرك الحاكم، حيث إن هذا مما يقوّي اتصال منهج المحدثين متقدّمهم ومتأخرهم، إذ إن كتابه له صلة كبيرة بالصحيحين، ولا يستدرك عليهما ما لم يكن من أصل مذهبهما وطريقتهما، ولو فعل ذلك لما سكت العلماء منذ قرون على الحاكم وأصل طريقته، حتى ممن يزعم المفرّقون أنهم قد حرّروا منهج المتقدمين، ومن أولئك: الحافظ ابن عبد الهادي، والحافظ ابن رجب، والعلامة المعلّمي - رحمهم الله تعالى -، فإن واحداً من هؤلاء لم يقل أن الحاكم على الباطل وابتدع طريقة لا أصل لها، وإنما انتقاد من انتقده كان على أغلاط أخل بها تخالف أصل شرطه الذي اشترطه في كتابه، ولكن لم يقل أحدٌ: أن طريقة التصحيح بالشواهد والمتابعات طريقة باطلة ليست من منهج المتقدمين!، بل إن هؤلاء الثالثة يقرونها تأصيلاً وتطبيقاً!، فإبراز ذلك مما يقوي اتصال المنهج بين المتقدّم والمتأخر - كما ذكرتُ قبلُ -، وكذلك فيه الرد على هنابث المفرقين وكشف وعوار تقريراتهم ودعاويهم العاطلة الفاشلة.
ولا ننسى أن الحاكم - رحمه الله - تلميذ الحافظ الدارقطني - رحمه الله -، ولهذا فإن بعض المفرقين وقعوا في ورطة لما نظروا أن الحاكم تلميذ الدارقطني؛ فاخترعوا قصة (البرزخية)، «التي ليس لها لون ولا طعم ولا راحئة!؟» كما وصفها أستاذنا أبو الحارث علي الحلبي - حفظه الله ونفع به -. 
وقد انحصر لي تقسيم الشواهد إلى أربعة أنواع:
النوع الأول: التصحيح بالشواهد مع اختلاف المخرج (أصل الحديث = الصحابي) مع الاتفاق في اللفظ أو المعنى.
النوع الثاني: التصحيح بالشواهد «المفرقة» على بعض أجزاء الحديث مع اختلاف المخرج.
النوع الثالث: التصحيح بالمتابعات القاصرة وتسميتها شاهداً.
النوع الرابع: التصحيح بالشواهد الموقوفة لفظاً المرفوعة حُكماً للمرفوع لفظاً، مع اختلاف المخرج.
وقد ذكرتُ لكل نوع عشرة أمثلة صريحة واضحة كالشمس، هي منتقاة من مئات الأمثلة من كتاب المستدرك، كما أتبعت النوع الثالث بعض الأمثلة من كتاب «علل الحديث» لابن أبي حاتم.
وألحقتُ بآخر البحث مُلحقين نشرتهما في برامج التواصل، أثبتهما للفائدة وصلة الموضوع.
..كل ذلك جُهْد المُقل وعلى عجَل؛ للانشغال وشُغْل البال!، ونسأل الله أن يجعل عملي خالصاً لوجهه نافعاً في بابه، يهدي به من شاء، ويكتب لي أجره يوم القاء. 
تنبيه: ما أوردته هو تأصيل لمنهجية الشواهد بذكر الأمثلة لها، ولا يلزمني تتبعه في تلك الشواهد هل تصلح أم لا، ولا غير ذلك مما يذكره، سواء أكان صواباً أم لا، وإنما المقصود هو أمثلة لأصل الطريقة ووجودها، لا لصواب أفرادها، فكن من هذا على ذُكْرٍ.

وكتب
ليث بن أمين العلواني
ليلة الأربعاء 4/جمادى الأولى/1438هـ
المدينة النبوية




النوع الأول:
 التصحيح بالشواهد مع اختلاف المخرج (أصل الحديث = الصحابي) مع الاتفاق في اللفظ أو المعنى:
* روى في «المستدرك» (1/58): عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من عمل سيئة فكرهها حين يعمل، وعمل حسنة فسر بها فهو مؤمن».
قال الحاكم: «قد احتجا برواة هذا الحديث عن آخرهم وهو صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، إنما خرّجا في خطبة عمر بن الخطاب: «ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن».
وله شاهد بهذا اللفظ»:
ثم ساقه من حديث أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل، فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: «إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن». فقال: يا رسول الله ما الإثم؟ قال: «إذا حاك في صدرك شيء فدعه».
* وروى في «المستدرك» (1/78): عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبة من كِبْر» فقال رجل: يا رسول الله، إنهه ليعجبني أن يكون ثوبي جديدا، ورأسي دهينا، وشراك نعلي جديدا، قال: وذكر أشياء حتى ذكرر علاقة سوطه، فقال: «ذاك جمال، والله جميل يحب الجمال، ولكن الكبر من بطر الحق وازدرى الناس».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد احتجا جميعا برواته، وله شاهد آخر على شرط مسلم»:
ثم ساقه (1/78): عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت: يا رسول الله أمن الكبر أن ألبس الحُلّة الحسنة؟ قال: «إن الله جميل يحب الجمال».
* وروى في «المستدرك» (1/100) من طريق: عمر بن علي المقدمي، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا كان أجل أحدكم بأرض أثبت الله له إليها حاجة، فإذا بلغ أقصى أثره فتوفاه، فتقول الأرض يوم القيامة: يا رب، هذا ما استودعتني».
قال الحاكم: «قد احتج الشيخان برواة هذا الحديث عن آخرهم، وعمر بن علي المقدمي متفق على إخراجه في الصحيحين، وقد تابعه محمد بن خالد الوهبي على سنده، عن إسماعيل»، فساقه بسندهه ومتنه، ثم قال: «وقد أسنده هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد»، فساقه بسنده ومتنه، ثم قالل (1/101): «فقد أسند هذا الحديث ثلاثة من الثقات عن إسماعيل، ووافقه [كذا!، ولعلها وَوقَفه] عنه سفيان بن عيينة، فنحن على ما شرطنا في إخراج الزيادة من الثقة في الوصل والسند، ثم لهذا الحديث شواهد على شرط الشيخين فمنها ما..»:
 فساق (1/102) من طريقين عن أبي إسحاق، عن مطر بن عكامس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا قضى الله لرجل موتا ببلدة جعل له بها حاجة»، واللفظ الآخر: «ما جعل الله أجل رجل بأرض إلا جعلت له فيها حاجة».
 قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد اتفقا جميعا على إخراج جماعة من الصحابة ليس لكل واحد منهم إلّا راوٍ واحد، وله شاهد آخر من رواية الثقات»:
فساقه من طريق أبي المليح، عن أبي عزة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح ورواته عن آخرهم ثقات، وسمعت أبا العباس محمد بن يعقوب، يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري، يقول: سمعت يحيى بن معين، يقول: اسم أبي عزة:: يسار بن عبد ، له صحبة.
وأما أبو المليح: فإني سمعت علي بن عمر الحافظ يقول: يلزم البخاري ومسلما إخراج حديث أبي المليح عن أبي عزة فقد احتج البخاري بحديث أبي المليح، عن بريدة، وحديث أبي عزة رواه جماعة من الثقات الحفاظ».
قلت: في هذا المثال فوائد، منها:
 - التفريق بين المتابعات والشواهد، على نسق ما استقر عليه الاصطلاح، وهذا ظاهر حيث ذكر في حديث بن مسعود ثلاث متابعات (المقدمي والوهبي وهشيم) وسماها متابعةً، وهي متابعات تامة إذ ثلاثتهم يرويه عن إسماعيل بن أبي خالد، وأما الشواهد فقد نص عليها بعد ذكره للمتابعات، حيث أورده عن صحابيين: مطر وأبي عزة.
 - التصحيح بالشواهد المعنوية وإن لم تتفق ألفاظها وكان في بعضها زيادات، ولكنها كلها تصب في معنىً واحد.
وقد اجتمع في هذا المثال تصحيح بالشواهد بنوعين:
أحدهما: تصحيحٌ مع اختلاف المخرج.
والآخر: تصحيح بالشواهد المتفقة في المعنى المختلفة في اللفظ.
* وروى في «المستدرك» (1/106) من طريق: محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده علقمة بن وقاص، قال: كان رجل بطال يدخل على الأمراء فيضحكهم، فقال له جدي: ويحك يا فلان، لم تدخل على هؤلاء وتضحكهم، فإني سمعت بلال بن الحارث المزني صاحب رسول الله صلى اللهه عليه وسلم، يُحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيرضى الله بها عنه إلى يوم القيامة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيسخط الله بها إلى يوم يلقاه».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح وقد احتج مسلم بمحمد بن عمرو، وقد أقام إسناده عنه سعيد بن عامر كما أوردته عاليا، هكذا رواه سفيان الثوري وإسماعيل بن جعفر وعبد العزيز الدراورديي ومحمد بن بشر العبد ي وغيرهم» فساقها بأسانيدها ومتونها.
ثم روى (1/108) من طريق: بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ويل للذي يُحدّث فيكذب ويضحك به القوم ويل له ويل له».
 قال الحاكم: «هذا حديث رواه سفيان بن سعيد، والحمادان، وعبد الوارث بن سعيد، وإسرائيل بن يونس، وغيرهم من الأئمة، عن بهز بن حكيم، ولا أعلم خلافا بين أكثر أئمة أهل النقل في عدالة بهزز بن حكيم، وأنه يُجمع حديثه، وقد ذكره البخاري في الجامع الصحيح، وهذا الحديث شاهد لحديث بلال بن الحارث المزني الذي قدّمنا ذكره».
قلت: في هذا المثال تصحيح بالشواهد بنوعين:
أحدهما: تصحيحٌ مع اختلاف المخرج.
والآخر: تصحيح للقُرْب في المعنى! - ولا أقول الاتفاق في المعنى! - مع اختلاف شدة اختلاف اللفظ!.
* وروى في «المستدرك» (1/109) من طريق: أحمد بن يونس، ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال عمر: يا رسول الله، سمعت فلانا يذكر ويثني خيرا، زعم أنك أعطيته دينارين، قال: «لكن فلان ما يقول ذلك، ولقد أصاب مني ما بين مائة إلى عشرة» قال: ثم قال: «وإن أحدكم ليخرج من عندي بمسألته متأبطها» قال أحمد: أو نحوه «وما هي إلا نار» قال: فقال عمر: يا رسول الله، فلم تعطيهم؟ قال: «ما أصنع؟ يسألوني ويأبى الله لي البخل!».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة، وقد رواه عبد الله بن بشر الرقي، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر»:
فساقه (1/109) من طريق: معتمر بن سليمان، عن عبد الله بن بشر، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن عمر، قال: دخل رجلان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه في شيء فدعا لهما بدينارين فإذا هما يثنيان خيرا، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكن فلان ما يقول ذلك، ولقد أعطيته ما بين عشرة إلى مائة فما يقول ذلك، فإن أحدكم ليخرج بصدقة من عندي متأبطها وإنما هي له نار» فقلت: يا رسول الله كيف تعطيه وقد علمت أنه له نار؟ قال: «فما أصنع؟ يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل».
قال الحاكم: «أما معتمر بن سليمان الرقي فلم يخرجاه، وقد خرج مسلم عن عبد الله بن بشر الرقي، إلا أن هذا الحديث ليس بعلّةٍ لحديث الأعمش، عن أبي صالح؛ فإنه شاهد له بإسناد آخر».
* وروى في «المستدرك» (1/110) من طريقين: عن كثير بن زيد، قال: سمعت سالماً يُحدّث عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا».
ولفظ الطريق الثاني: «لا ينبغي لمسلم أن يكون لعانا». قال سالم: وما سمعت ابن عمر لعن شيئا قط.
قال الحاكم: «هذا حديث أسنده جماعة من الأئمة، عن كثير بن زيد، ثم أوقفه عنه حماد بن زيد وحده، فأما الشيخان فإنهما لم يخرجا عن كثير بن زيد وهو شيخ من أهل المدينة من أسلم كنيته أبوو محمد لا أعرفه يجرح في الرواية، وإنما تركاه لقلة حديثه والله أعلم.
ولهذا الحديث شواهد بألفاظ مختلفة، عن أبي هريرة، وأبي الدرداء وسمرة بن جندب؛ يصحُّ بمثلها الحديث على شرط الشيخين».
ثم ساق هذه الشواهد الثلاثة:
فأما حديث أبي هريرة: فرواه من طريقين عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمع أن تكونوا لعّانين صِدّيقِين».
وأما حديث أبي الدرداء: فرواه من طريق أم الدرداء، قالت: سمعت أبا الدرداء، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء».
قال الحاكم: «وقد خرّجه مسلم بهذا اللفظ».
وأما حديث سمرة بن جندب: فرواه من طريق الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضب الله، ولا بالنار».
 قال الحاكم: «هذه الأحاديث التي خرّجها في هذا الباب بألفاظها المختلفة كلها صحيحة الإسناد».
* وروى في «المستدرك» (1/118): عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العي والحياء: شعبتان من الإيمان، والبذاء والجفاء: شعبتان من النفاق».
قال الحاكم: «وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح على شرطهما»:
فساقه من حديث أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار».
قال الحاكم: «وله شاهدٌ ثانٍ على شرط مسلم»:
فساقه من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار».
* وروى في «المستدرك» (1/122): عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتدخلن الجنة إلا من أبى وشرد على الله كشراد البعير».
 قال الحاكم: «وله شاهد أيضا، عن أبي أمامة الباهلي».
فساقه من طريق أبي خالد، قال: مرّ أبو أمامة الباهلي على خالد بن يزيد بن معاوية فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؛ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله».
* وروى في «المستدرك» (1/140): عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».
قال الحاكم: «وله شاهد صحيح على شرط مسلم».
فرواه من حديث جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».
* وروى في «المستدرك» (1/165) من طريق: إسحاق بن سعيد، عن أبيه، قال: كنت عند ابن عباس فأتاه رجل فمت إليه برحم بعيدة، فقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:: «اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب لرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بعد لها إذا وصلت وإن كانت بعيدة».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجه واحد منهما، وإسحاق بن سعيد هو ابن عمرو بن سعيد بن العاص قد احتج البخاري بأكثر رواياته عن أبيه، ولهذا الحديث شاهد مخرج مثله في الشواهد»:
فساقه من طريق أبي الأسباط الحارثي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا أنسابكم تصلوا أرحامكم».

* * *
 النوع الثاني:
التصحيح بالشواهد «المفرقة»
على بعض أجزاء الحديث مع اختلاف المخرج:
* روى في «المستدرك» (1/55): عن عبد الله بن عمرو، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفحش والتفحش، وإياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، والبخل فبخلوا، وبالفجور ففجروا»، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: «أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك». فقال ذلك الرجل أو غيره: يا رسول الله أي الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربك»، قال: «والهجرة هجرتان: هجرة الحاضر، وهجرة البادي، فهجرة البادي: أن يجيب إذا دعي، ويطيع إذا أمر، وهجرة الحاضر أعظمهما بلية وأفضلهما أجرا».
ثم قال الحاكم: «ولهذه الزيادات التي ذكرناها عن عبد الله بن عمرو شاهد صحيح على شرط مسلم من رواية أبي هريرة».
فساقه (1/56): من طريق محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والفحش والتفحش، فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش، وإياكم والظلم فإنه هو الظلمات يوم القيامة، وإياكم والشح فإنه دعا من قبلكم فسفكوا دماءهم، ودعا من قبلكم فقطعوا أرحامهم، ودعا من قبلكم فاستحلوا حرماتهم».
قلت: وفي في هذا المثال تصحيح بالشواهد بنوعين:
أحدهما: تصحيحٌ مع اختلاف المخرج.
والآخر: تصحيح على بعض أجزاء الحديث، وهذا ما عابه! وشنّع به! على الإمام الألباني - رحمه الله - ؛ (د.عبد السلام أبو سمحة!)!، بل زعم أنه لم يسبق الألبانيَّ إلى ذلك أحدٌ!!.
* وروى في «المستدرك» (1/75): عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله كان سميعا بصيرا} فوضع إصبعة الدعاء على عينيه وإبهاميه على أذنيه».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه...ولهذا الحديث شاهد على شرط مسلم»:
ثم ساقه (1/76) من حديث جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كانت من فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة أعظم من فتنة الدجال، وما من نبي إلا وقد حذر قومه، ولا أخبرتكم منه بشيء ما أخبر به نبي قبلي»، فوضع يده على عينه ثم، قال: «أشهد أن الله تعالى ليس بأعور».
قلت: في هذا المثال تصحيح بالشواهد بنوعين:
 أحدهما: تصحيحٌ مع اختلاف المخرج.
والآخر: تصحيحٌ على بعض أجزاء الحديث!.
 * وروى في «المستدرك» (1/204): حديث الحارث الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمركم بخمس كلمات أمرني الله بهن: الجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فمن خرج من الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه إلا أن يرجع».
قال الحاكم: «ولهذه اللفظة من الحديث شاهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم».
فساقه (1/205) من حديث معاوية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فارق الجماعة شبرا دخل النار».
* وروى في «المستدرك» (1/245): عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الوضوء، ولأخرت صلاة العشاء إلى نصف الليل».
قال الحاكم: «ولم يخرّجا لفظ: (الفَرْض) فيه، وهو صحيح على شرطهما جميعا، وليس له علة، وله شاهد بهذا اللفظ»:
فساقه من حديث: العباس بن عبد المطلب، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك عند كل صلاة كما فرضت عليهم الوضوء».
* وروى في «المستدرك» (1/248): عن لقيط بن صبرة، قال: كنت وافد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء؟ فقال: «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائما».
قال الحاكم: «ولهذا الحديث شاهد عن ابن عباس»:
فساقه (1/249): عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «استنثروا مرتين بالغتين، أو ثلاثا».
* وروى في «المستدرك» (1/249) من طريق: شقيق بن سلمة، قال: رأيت عثمان، توضأ فغسل وجهه، واستنشق، ومضمض ثلاثا، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وخلل لحيته ثلاثا حين غسل وجهه قبل أن يغسل قدميه، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الذي رأيتموني فعلت.
قال الحاكم: «وقد اتفق الشيخان على إخراج طرق لحديث عثمان في دبر وضوئه، ولم يذكرا في رواياتهما تخليل اللحية ثلاثاً، وهذا إسناد صحيح، قد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق، ولاا أعلم في عامر بن شقيق طعنا بوجه من الوجوه!. وله في تخليل اللحية شاهد صحيح عن عمار بن ياسر، وأنس بن مالك، وعائشة رضي الله عنهم»:
فساق هذه الشواهد:
أما حديث عمار بن ياسر: فرواه (1/250) من طريقين: عن حسان بن بلال، أنه رأى عمار بن ياسر يتوضأ فخلل اللحية فقيل له: تخلل لحيتك؟ فقال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته؟!.
وأما حديث أنس بن مالك: فرواه من طريقين بلفظين عنه:
الأول: الزهري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم «توضأ وخلل لحيته بأصابعه من تحتها»، وقال: «بهذا أمرني ربي».
والثاني: موسى بن أبي عائشة، عن أنس بن مالك، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وخلل لحيته، وقال: «بهذا أمرني ربي».
وأما حديث عائشة: فرواه من طريق: طلحة بن عبيد الله بن كريز، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل لحيته.
* وروى في «المستدرك» (1/274): عن عبد الله بن زيد، قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تَوْر من صُفْر، فتوضأ هذا.
 قال الحاكم: «حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وله شاهد من حديث عائشة»:
فساقه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تَوْر مِن شَبَه».
قلت: (تَوْر): إناء، و(شَبَه) و(صُفْر) نوع هذا الإناء، وهو من النّحاس.
* وروى في «المستدرك» (1/335): عن الحسن، أن سمرة بن جندب، وعمران بن حصين، تذاكرا فحدّث سمرة بن جندب، أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سكتتين سكتة إذا كبّر، وسكتة إذا فرغ من قراءته عند ركوعه.
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما اتفقا على حديث عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبرر سكت بين التكبير والقراءة، وحديث سمرة لا يتوهم متوهم أن الحسن لم يسمع من سمرة فإنه قد سمع منه، وله شاهد بإسناد صحيح»:
فساقه (1/336) من طريق: ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، قال: أتانا أبو هريرة في مسجد بني زريق، فقال: ثلاثا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس: «يرفع يديه حتى جاوزتا أذنيه، ويسكت بعد القراءة هنيهة؛ يسأل الله من فضله».
قلت: في هذا المثال تصحيح بالشواهد بنوعين:
أحدهما: تصحيحٌ مع اختلاف المخرج.
والآخر: تصحيح على بعض ألفاظ الحديث؛ فالشاهد من حديث أبي هريرة الذي رواه ليس فيه سوى سكتة واحدة!، وفيهما زيادات ليست في الآخر.
* وروى في «المستدرك» (1/ 489) من طريق: محمد بن المنكدر، سمعت جابر بن عبد الله، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخياركم من شراركم؟» قالوا: بلى، قال: «خياركم أطولكم أعمارا، وأحسنكم عملا».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح على شرط مسلم»:
فساقه من طريق: الحسن، عن أبي بكرة، أن رجلا قال: يا رسول الله: أي الناس خير؟ قال: «من طال عمره وحسن عمله»، قال: فأي الناس شر؟ قال: «من طال عمره وساء عمله».
* روى في «المستدرك» (1/548) من طريق: موسى بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، قال: أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتابا زعم أن أبا بكر، كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه مصدقا وكتبه له، فإذا فيه: «هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه، فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم، في كل ذود شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض، فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة، وعنده حقة فإنها تقبل منه، وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما وشاتين، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون، وليست عنده إلا ابنة مخاض فإنها تقبل منه، وشاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة فيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاث مائة، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة شاة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كانا من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه هكذا، إنما تفرد بإخراجه البخاري من وجه آخر، عن ثمامة بن عبد الله، وحديث حماد بن سلمة أصح وأشفى، وأتم من حديثث الأنصاري».
ثم رواه من طريق آخر فيه متابعة لموسى عن حماد:
«...النضر بن شميل، ثنا حماد بن سلمة، قال: أخذنا هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس يحدثه، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر الحديث بنحو من حديث موسى بن إسماعيل، عن حماد بطوله، ولهذه الألفاظ شاهد من حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه»:
فساقه (1/ 549) من طريق: سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض، فكان فيه: «في خمس من الإبل شاة وفي عشرة شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمسة وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة فشاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة شاة وليس فيها شيء حتى يبلغ المائة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب».
قال الزهري: «إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثا ثلثا شرارا، وثلثا خيارا، وثلثا وسطا، فيأخذ المصدق من الوسط»، ولم يذكر الزهري البقر.
قال الحاكم: «هذا حديث كبير في هذا الباب يشهد بكثرة الأحكام التي في حديث ثمامة، عن أنس، إلا أن الشيخين لم يخرجا لسفيان بن حسين الواسطي في الكتابين، وسفيان بن حسين أحد أئمة الحديث وثقه يحيى بن معين، ودخل خراسان مع يزيد بن المهلب، ودخل منه نيسابور سمع منه جماعة من مشايخنا القهندزيون مثل مبشر بن عبد الله بن رزين وأخيه عمر بن عبد الله وغيرهما، ويصححه على شرط الشيخين حديث عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، وإن كان فيه أدنى إرسال، فإنه شاهد صحيح لحديث سفيان بن حسين».
النوع الثالث:
التصحيح بالمتابعات القاصرة
وتسميتها شاهدا:
* روى في «المستدرك» (1/123) من طريق: عوف، حدثني محمد بن سيرين، وخلاس، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن لله مائة رحمة قسم منها رحمة بين أهل الدنيا فوسعتهم إلى آجالهم، وأخر تسعة وتسعين لأوليائه، وإن الله عز وجل قابض تلك الرحمة التي قسمها بين أهل الدنيا إلى تسع وتسعين فكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة».
 قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما اتفقا فيه على حديث الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. وسليمان التيمي، عن أبي عثمان، عنن سلمان مختصرا، ثم أخرجه مسلم، من حديث عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة أكمل من الحديثين، وله شاهد على نسق حديث عوف»:
فساقه من طريق: الحجاج بن أبي زينب، قال: سمعت أبا عثمان النهدي يُحدّث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباقها طباق السماوات والأرض، فقسم رحمة بين جميع الخلائق وأخر تسعة وتسعين رحمة لنفسه، فإذا كان يوم القيامة رد هذه الرحمة فصار مائة رحمة يرحم بها عباده».
قال الحاكم: «وله شاهد آخر مُفسّر، عن جندب بن عبد الله»:
فرواه من طريق: الجريري، عن أبي عبد الله الجسري، ثنا جندب قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته، ثم عقلها، فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلق عقالها، ثم ركبها، ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا!.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تقولون أهو أضل أم بعيره؟ ألم تسمعوا ما قال؟» قالوا: بلى. فقال: «لقد حظر رحمة واسعة، إن الله خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة تعاطف بها الخلائق جنها وإنسها وبهائمها، وعنده تسعة وتسعون، تقولون أهو أضل أم بعيره؟!».
قلت: في هذا المثال تصحيح بالشواهد بنوعين:
أحدهما: تصحيحٌ بالمتابعات القاصرة وتسميتها شاهداً.
والآخر: تصحيح بشاهدٍ مُختلف في اللفظ، مُتّفق في المعنى على بعض أجزائه!، مع اختلاف المخرج!.
* وروى في «المستدرك» (1/212) من طريق: مسلم بن خالد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «كرم المؤمن دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه».
 قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه وله شاهد»:
فساقه من طريق: المعتمر، عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن جده، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كرم المؤمن دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه».
* وروى في «المستدرك» (1/270) من طريق: الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح، أن عطاء حدَّثَه، عن ابن عباس، أن رجلا أجنب في شتاء، فسأل وأمر بالغسل فاغتسل فمات، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما لهم قتلوه قتلهم الله - ثلاثا - قد جعل الله الصعيد - أو التيمم - طهورا».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح، فإن الوليد بن عبيد الله هذا ابن أخي عطاء بن أبي رباح، وهو قليل الحديث جدا، وقد رواه الأوزاعي، عن عطاء وهو مخرّج بعد هذا، وله شاهد آخر عن ابنن عباس»:
فساقه من طريق: عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رفَعَه - في قوله عز وجل: {وإن كنتم مرضى أو على سفر} [النساء: 43]، قال: «إذا كان الرجل الجراحة في سبيل الله، أو القروح أو الجدري فيجنب فيخاف إن اغتسل أن يموت فليتيمم».
قلت: في هذا المثال تصحيح بالشواهد نوعين:
أحدهما: تصحيح بالمتابعات القاصرة وتسميتها شاهداً.
والآخر: تصحيح على بعض ألفاظ الحديث، وهو ذكر رخصة التيمم لمن كانت به جراحة عن الغسل.
* وروى في «المستدرك» (1/296) من طريق: أشعث، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يبولن أحدكم في مستحمه، فإن عامة الوسواس منه».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين! ولم يخرجاه، وله شاهد على شرطهما»:
فساقه عن قتادة، عن عقبة بن صهبان، عن عبد الله بن مغفل، قال: «نهي أو زجر أن يبال في المغتسل».
قلت: في هذا المثال تصحيح بالشواهد بنوعين:
أحدهما: تصحيح بالمتابعات القاصرة وتسميتها شاهداً.
والآخر: تصحيح على بعض ألفاظ الحديث، وهي للجملة الأولى منه، أما الجملة الثانية «فإن عامة الوسواس منه»، فليس فيه ما يشهد لها.
* وروى في «المستدرك» (1/296) من طريق: العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا اللاعنين» فقالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟؟ قال: «الذي يتخلى في طريق المسلمين وفي ظلهم».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه عن قتيبة، وله شاهد عن محمد بن سيرين بإسناد صحيح، واللفظ غير هذا ولم يخرجه»:
فساقه من طريق: محمد بن عمرو الأنصاري، ثنا محمد بن سيرين، قال: قال رجل لأبي هريرة: أفتيتنا في كل شيء حتى يوشك أن تفتينا في الخراء!، قال: فقال أبو هريرة: كل شيء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من سلَّ سخيمَتَه على طريقٍ عامرٍ من طُرُق المسلمين، فعليه لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين».
قال الحاكم: «ومحمد بن عمرو الأنصاري ممن يُجمع حديثه في البصريين، وهو عزيز الحديث جدا».
* وروى في «المستدرك» (1/322) من طريق: عبد الله بن صالح المصري، حدثني يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل مرة ستون حسنة، وبإقامته ثلاثون حسنة».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري، وله شاهد من حديث عبد الله بن لهيعة، وقد استشهد به مسلم رحمه الله».
فساقه من طريق: ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أذن اثنتي عشرة سنة، وجبت له الجنة، وكتب له بكل أذان ستون حسنة وبكل إقامة ثلاثون حسنة».
* وروى في «المستدرك» (1/433) من طريق: هشيم، عن محمد بن إسحاق، عن حفص بن عبيد الله بن أنس، عن أنس، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر يوم الفطر على تمرات قبل أن يغدو».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح على شرطه»:
فساقه من طريق: زهير، ثنا عتبة بن الضبي، ثنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، قال: سمعت أنسا، يقول: «ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا، أو أقل من ذلك، أو أكثر من ذلك وترا».
* وروى في «المستدرك» على الصحيحين (1/459) من طريق: ابن جريج، أخبرني عثمان بن أبي سليمان، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن، أخبره أن عائشة أخبرته، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان أكثر صلاته جالسا».
 ثم رواه من طريق: محمد بن سيرين، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، عن عائشة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قائما وقاعدا، فإذا افتتح الصلاة قائما ركع قائما، وإذا افتتح الصلاة قاعدا ركع قاعدا».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وقد خرجته قبل هذا من حديث حميد، عن عبد الله بن شقيق، وهذا موضعه، وحديث ابن سيرين، هذا شاهد صحيح لما تقدّم».
* وروى في «المستدرك» (1/497) من طريق: محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح»:
فساقه (1/498) من طريق: عبد الله بن المختار، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وصب المؤمن كفارة لخطاياه».
* وروى في «المستدرك» (1/57) من طريق: إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بهؤلاء الرواة عن آخرهم، ثم لم يخرجاه.
وأكثر ما يمكن أن يقال فيه: أنه لا يُوجد عند أصحاب الأعمش!؛ وإسرائيل بن يونس السبيعي كبيرهم وسيدهم!، وقد شارك الأعمش في جماعة من شيوخه؛ فلا ينكر له التفرد عنه بهذا الحديث.
وللحديث شاهد آخر على شرطهما».
ثم ساقه من طريق: الحسن بن عمرو الفقيمي، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء».
 قال الحاكم: «وللحديث شاهد ثان، عن إبراهيم النخعي لا بدّ من ذكره وإن لم يكن إسناده على شرط الشيخين»:
ثم ساقه (1/58) من طريق: ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «المؤمن ليس بالطعان، ولا الفاحش، ولا البذيء».
قال الحاكم: «محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وإن كان ينسب إلى سوء الحفظ، فإنه أحد فقهاء الإسلام وفضلتهم، ومن أكابر أولاد الصحابة والتابعين من الأنصار رحمة الله تعالى عليهم».
قلت: في هذ المثال ثلاثة أشياء:
أولها: تفرّد الثقة عن إمامٍ مُكثر، الأصلُ قَبوله إلا بقرينة تدلّ على عدم الاحتمال لتفرّده عنه، وهذا ينقض كثيراً من اعتراضات كثيرٍ من المُفرّقين بنحو هذا الذي ذكره الحاكم ونقَضَه!.
ثانيها: تصحيحٌ بالمتابعات القاصرة ممن فيه ضعْف وتسميتها شاهداً.
ثالثها: أن المتابعات القاصرة والشواهد؛ قريبةٌ في المعنى والثمرة، وأن من أثْبتَ التصحيحَ بالمتابعات القاصرة؛ يلزمه القول بالتصحيح بالشواهد وإلّا تناقض!، وهذا الأمر - التصحيحح بالمتابعات القاصرة - موجود في تطبيقات النُّقاد المتقدّمين! وخاصة في علل ابن أبي حاتم، ونسوق لذلك أربعة أمثلة:
1- في «علل الحديث» لابن أبي حاتم برقم (1427) قال: (وسألت أبي عن حديث رواه يحيى القطان، عن أبي جعفر الخطمي، عن سعيد بن المسيب، عن رافع ابن خديج؛ قال: مر النبي بزرع فقال: لمن هذا الزرع؟، قالوا: لظهير؛ قال: ليرد صاحب الأرض عليه نفقته، وليأخذ أرضه؟
قال أبي: رواه حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي: أن النبي ...ولم يجوّده. والصحيح: حديث يحيى؛ لأن يحيى حافظ ثقة!!.
قال أبي: هذا يُقوّي حديث شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع، عن النبي قال: من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، ويرد عليه نفقته.
قال أبي: روى هذا الحديث غير شريك، وحديث يحيى لم يسنده غير يحيى بن سعيد.
وأما الشافعي فإنه يدفع حديث عطاء، وقال: عطاء لم يلق رافعا!؟.
قال أبي: بلى قد أدركه!.
قلت: فإن حماد يقول: إن النبي مر بزرع، فقالوا: هذا لظهير بن خديج؟.
قال أبي: أخطأ حماد في هذه اللفظة، ليس هو ظهير بن خديج؛ إنما هو: ظهير عم رافع بن خديج، لا ينسب)، انتهى.
في هذه المسألة واحدها فوائد عزيزة وكثيرة، ومنها:
* ترجيح الموصول على المرسل؛ لأن راويه (ثقة حافظ).
إذن ليس كل إرسال يكون علة ولو رواه ثقة مأمون مثل حماد بن سلمة!.
* التقوية بالمتابعات القاصرة جداً وهي هنا والشواهد سواء!.
* الخلاف في سماع عطاء من رافع، إذ ينفيه الشافعي - وكذا أبو زرعة الرازي وغيرهما - وأثبته أبو حاتم وقوّى روايته بمتابعة قاصرة جداً!.
تنبيه: لا تنسى أيها القارئ المكرم أن (شريكاً) هو ابن عبد الله النخعي القاضي، وهو ضعيف من قبل حفظه!!.
2- وفي «علل الحديث» برقم (833) قال: (وسألت أبي عن حديث رواه نافع، وعبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي قال: «خمس تقتل في الحرم...». رواه الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة، عن النبي ؟
قال أبي: كنا نُنكر حديث الزهري، حتى رأينا ما يُقوِّيه:
أنبا أبو محمد عبد الرحمن؛ قال: حدثنا أبي؛ قال: حدثنا مسدد، عن أبي عوانة، عن زيد بن جبير، عن ابن عمر، قال: حدثتني إحدى نسوة رسول الله ، عن النبي .
قال أبي: يعني أخته حفصة.
فعلمنا أن حديث الزهري صحيح، وأن ابن عمر لم يسمع هذا الحديث من النبي ؛ إنما سمعه من أخته حفصة) انتهى.
قلت: ومثله قول الدارقطني في «العلل» (3942) - بعد أن ذكر رواية زيد بن جبير -: «وهذا مما يُقوّي رواية الزهري، عن سالم».
وفي هذه فائدة عزيزة، وهي: التقوية بالمتابعات القاصرة، وهي هنا مثل الشواهد سواء!.
3- وفي «علل الحديث» برقم (834) قال: (وسألت أبي عن حديث رواه إبراهيم بن موسى، عن هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير، عن صفية ابنت شيبة بن عثمان، عن أم عثمان بنت سفيان، عن ابن عباس، عن النبي قال: ليس على النساء حلق، إنما عليهن التقصير.
قلت لأبي: رواه سعيد القداح، عن ابن جريج، عن صفية ابنت شيبة، عن أم عثمان، عن ابن عباس، عن النبي ، ولم يقل: عبد الحميد؟.
فقال: هشام بن يوسف ثقة متقن!.
وما يدلُّ على صحّة حديث هشام بن يوسف: ذكْرُ عبد الحميد؛ في آخر حديث سعيد بن سالم!.
ورواه يعقوب بن عطاء، عن صفية، عن أم عثمان، عن ابن عباس، عن النبي ؛ ما يُقوّي ذلك - أيضا -)، انتهى.
قلت: وفي ذلك فائدتان عزيزتان:
* تصحيح زيادة هشام بن يوسف، بناء على مرتبته العامة (الجرح والتعديل) حيث قال (ثقة متقن)!!.
* التقوية بالمتابعات القاصرة جداً، وهي هنا مثل الشواهد سواء!.
4 - في «علل الحديث» (1131) قال: (وسألت أبي عن حديث رواه فليح، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي قال: الذهب بالذهب...، الحديث؟
قال أبي: حدثنا قتيبة، عن يعقوب الإسكندراني، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النبي .
قال أبي: هذا أشبه وأصح، وكان يحيى ابن معين حمل على فليح وعلى أبي أويس، وكان يعقوب الإسكندراني من أهل المدينة، سكن الإسكندرية.
وممّا يُقوّي حديث ذا:
ما رواه عبد السلام، عن الدالاني، عن عبد الملك بن ميسرة، عن أبي صالح، عن أبي سعيد) انتهى.
قلت: فيه تقوية الحديث بمتابعة قاصرة جداً، وهي - هنا - مثل الشواهد!.
* تنبيه: قد سبق أن نشرتُ هذه الأمثلة الأربعة في وسائل التواصل، فاعترض غير واحد ومنهم: (د.عبد السلام أبو سمحة!، وإبراهيم بن سعيد الصبيحي!، والحارث بن علي الحسني!)، على هذه الأمثلة باعتراضات باردة تنُمّ عن قلّة فهم في هذا الباب!، وحتى يستفيد من أراد الفائدة، نكشف عن وجه التسوية بين التصحيح بالمتابعات القاصرة والشواهد المستقلة المختلفة المخارج، وكيف يلزم المصحح بها أن يصحح بالشواهد:
أن المتابعات القاصرة لا تكشف عن وجه الخطأ ولا ترفع الغلط عن المدار الأول فضلاً عن تيّقن حفظه!، وخذ مثالَ ذلك من آخر مثالٍ ذكرناه من كتاب علل الحديث، فهذا الحديث مداره على: (أبي صالح، عن أبي سعيد)، فالطريق الأول يرويه: (يعقوب الإسكندراني، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي سعيد)، فهنا نحتاج لمتابعة تامة ليعقوب عن سهيل؛ حتى نعلم أنه محفوظ عن سهيل ولم يتفرّد به يعقوب!، لكن أبا حاتم لم يروه إلا بمتابعة قاصرة لسهيل نفسه!، من طريق (عبد السلام، عن الدالاني، عن عبد الملك بن ميسرة، عن أبي صالح)، فنحن لم نظمن حفْظَ الحديث عن سهيل أصلاً!، فكيف سنعرف أن سهيلاً لم ينفرد به عن أبي صالح!، فضلاً عن متابعة للدالاني عن عبد الملك حتى نظمن حفظ الحديث عن عبد الملك، فضلاً عن متابعة لعبد الملك عن أبي صالح!، فضلاً عن متابعة لأبي صالح –نفسه! - ؛ فكل هذا لا نستطيع القطع به من خلال المتابعات القاصرة!.
وكذلك الشواهد لا نستطيع القطع بها لحفظ الطرق والمتابعات!، فضلاً عن الكشف عن وجه الخطأ، أوالسلامة من الغلط!.
 فيلزم المفرّقين إن أثبتوا التصحيح بالمتابعات القاصرة؛ أن يثبتوا التصحيح بالشواهد مع اختلاف المخارج؛ وإلّا تناقضوا! وفرّقوا بين متماثل، وهذا خلاف قاعدة الشرع المحكمة: (لا تفرّق بين متماثل ولا تجمع بين متفرّق)، وإن أنكروا التصحيح بالمتابعات القاصرة، ألزمناهم الحجة من عمل النقّاد المتقدمين!، كهذه الأمثلة التي هي كالشمس في رابعة النهار!، فلا مفرّ لهم من باطلين، أو التمسّك بالحق:
 إما إنكار بعضٍ (الشواهد)، وقَبول بعضٍ (المتابعات القاصرة)؛ وهذا تناقض وظلم وهوى، وإما إنكارهما معاً؛ وهذه مكابرة وتنكّبٌ لمنهج علماء الحديث كافّة، أو التمسك بالحق الواحد: وهو قَبول التصحيح بالمتابعات القاصرة والشواهد معاً.
* * *
 النوع الرابع:
التصحيح بالشواهد الموقوفـة لفظا المرفوعة حكما للمرفوع لفظا، مع اختلاف المخرج:
* روى في «المستدرك» (1/ 48) عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد لا تُعرف له علة بوجه من الوجوه، فقد احتجّا جميعاً بعبد الله بن بريدة، عن أبيه، واحتج مسلمٌ بالحسين بن واقد ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ولهذا الحديث شاهدٌ صحيحٌ على شرطهما جميعا».
ثم أسند هذا الشاهد: عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة، قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفراً غير الصلاة!».
قلت: في هذا المثال تصحيح بالشواهد بنوعين:
أحدهما: تصحيحٌ مع اختلاف المخرج.
والآخر: تصحيح بالموقوف الذي له حكم الرفع!.
وهذا ما عابه! وشنع به! على الإمام الألباني - رحمه الله - ؛ (د.عبد السلام أبو سمحة!)، بل زعم أنه لم يسبق الألبانيَّ إلى ذلك أحدٌ!!.
* وروى في «المستدرك» (1/256) من طريق: الحسن بن ذكوان، عن مروان الأصفر، قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أليس قدد نهي عن هذا؟ قال: إنما نهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس.
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري، فقد احتج بالحسن بن ذكوان، ولم يخرجاه، وله شاهد عن جابر صحيح على شرط مسلم»:
فساقه (1/ 257) من طريق: أبان بن صالح، عن مجاهد، عن جابر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء، ثم رأيناه قبل موته وهو يبول مستقبل القبلة.
* وروى في «المستدرك» (1/401): عن فضالة بن عبيد الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا صلى لم يحمد الله، ولم يمجده، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم وانصرف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عجل هذا» فدعاه، فقال له ولغيره: «إذا صلىى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه، والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بماا شاء».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا تعرف له علة، ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح على شرطهما»:
فساقه من طريق: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، وأبي عبيدة، قالا: قال عبد الله: «يتشهد الرجل، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو لنفسه».
* وروى في «المستدرك» (1/560) من طريق شعبة، قال: سمعت خبيب بن عبد الرحمن، يحدث عن عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، عن سهل بن أبي حثمة، قال: أتانا ونحن في السوق، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خرصتم فخذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تأخذوا أو تدعو الثلث - شك شعبة في الثلث - فدعوا الربع».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، وله شاهد بإسناد متفق على صحته؛ عمر بن الخطاب أمر به»:
فساقه من طريق: يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه بعثه إلى خرص التمر وقال: «إذا أتيت أرضا فاخرصها، ودع لهم قدر ما يأكلون».
* وروى في «المستدرك» (1/615) من طريق: يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: «اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لبس ثيابه فلما أتى ذا الحليفة صلى ركعتين، ثم قعد على بعيره، فلما استوى به على البيداء أحرم بالحج».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، فإن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح من جمع أئمة الإسلام حديثه، ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح على شرطهما»:
فساقه من طريق: حميد، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: «إن من السُّنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم، وإذا أراد أن يدخل مكة».
* وروى في «المستدرك» (1/667): عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن الدعاء هو العبادة»، ثم قرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60].
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» ثم قال: «ولهذا الحديث شاهد بإسناد صحيح، عن عبد الله بن عباس»:
فساقه من طريقين: عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أفضل العبادة هو الدعاء»، وقرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: 60].
* وروى في «المستدرك» (2/121) من طريق: عطاء بن السائب، قال: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله، يقول: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إياكم وهذه الشهادات أن تقول قتل فلان شهيدا، فإن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل في طلب الدنيا، ويقاتل وهو جريء الصدر، ولكن سأحدثكم على ما تشهدون؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ذات يوم، فلم يلبث إلا قليلا حتى قام فحمد وأثنى عليه ثم قال: «إن إخوانكم قد لقوا المشركين، فاقتطعوهم، فلم يبق منهم أحد وإنهم قالوا: ربنا بلغ قومنا أنا قد رضينا، ورضي عنا ربنا فأنا رسولهم إليكم، إنهم قد رضوا ورضي عنهم».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد إن سلم من الإرسال فقد اختلف مشايخنا في سماع أبي عبيدة من أبيه، وله شاهد موقوف على شرط الشيخين»:
فساقه: عن هذيل بن شرحبيل، قال: خرج ناسٌ فقتِلُوا، فقالوا: فلان استشهد!، فقال عبد الله: إن الرجل ليقاتل للدنيا، ويقاتل ليُعْرف، وإن الرجل ليموت على فراشه، وهو شهيد، ثم تلا {والذين آمنوا بالله ورسله، أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم} [الحديد: 19].
* وروى في «المستدرك» (1/726) من طريق: أبي جعفر الخطمي، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «كان فيكم أمانان: مضت إحداهما، وبقيت الأخرىى {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33]».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقد اتفقا على أن تفسير الصحابي حديث مُسند، وله شاهد عن أبي موسى الأشعري»:
فساقه من طريق: حرملة بن قيس، عن عبيد بن أبي أيوب، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: «أمانان كان في الأرض: فرفع أحدهما، وبقي الآخر{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33]».
* وروى في «المستدرك» (1/211): عن جابر بن عبد الله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]، قال: «أولي الفقه والخير».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح له شاهد، وتفسير الصحابي عندهما مسند».
فساق الشاهد: عن ابن عباس، في قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59] يعني: «أهل الفقه والدين، وأهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معالي دينهم ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، فأوجب الله طاعتهم».
* وروى في «المستدرك» (1/354) من طريق: عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: «من سنة الصلاة أن يخفى التشهد».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وله شاهد بإسناد صحيح عن عائشة»:
فساقه من طريق: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «نزلت هذه الآية في التشهد {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110]».
قلت: في هذه الأمثلة الثلاثة أمران:
أحدهما: جعل تفسير الصحابي حديثاً مسنداً، أي في حكم المرفوع.
والآخر: ذكرَ له شاهداً موقوفاً مثله!.
ففي هذا إعمال الشواهد للمرفوع حكماً بعضه لبعض، فممكن أن يُفرد بنوع خامس، وجائز أن يُدرج هنا تحت هذا النوع الرابع من أنواع الشواهد.

* * *

ملحقان
نشرتهما في برامج التواصل
أثبتهما للفائدة وصلة الموضوع

(1)

مما يُؤيّد أصالة
(التصحيحِ بالشَّواهِد والمُتابعات عند المُتقدِّمين):
قال الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (2/ 192): «وأما أحاديث الضعاف ومن لا يُعتمد على روايته، فتُكتب للمعرفة، وأن لا تُقلب إلى أحاديث الثقات، ويُعتبر بها أيضا غيرها من الروايات».
ثم أورد بعده من الآثار:
1- قال الثوريُّ: «إني لأكتُب الحديثَ على ثلاثة وجوه: فمنه ما أتدين به، ومنه ما أعتبِرُ به، ومنه ما أكتبه لأعرفه».
2- حنبل قال: سمعتُ أبا عبد الله –يعني أحمد بن حنبل -، يقول: «ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب أعتبر به ويُقوِّي بعضهُ بعضاً».
قلتُ: وجه الدلالة فيما تقدّم في كلام الخطيب - رحمه الله - ؛ جعْلهُ كتابةَ أحاديث الضِّعَاف لثلاث فوائد:
أحدها: للمعْرفة، أي لمعرفة ضعفها وعدم صحتها والدلالة عليها.
وثانيها: أن لا تُقلَب إلى أحاديث الثقات، أي لتمييزها عن أحاديث الثقات، فلو لم تُكتبْ وتُعرَّف؛ لخلطها الجهلة بأحاديث الثقات، أو لدسَّها الزنادقة بينها.
وثالثها: يُعتبر بها غيرها من الروايات، وهذه هي حقيقة الشواهد، تُحشد لأجل الاعتبار بها والنظر فيها هل تصلُح للتقويةِ أم لا تصلُح؟، فليس كل ما كان شاهداً كان مُقوّياً.
وهذه الفائدة الثالثة هي التي تعنينا، ومما يدلُّ عليها من كلام الإمام سفيان الثوري رحمه الله قوله: «ومنه ما أعتبر به»، ومن كلام الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - قوله: «ويُقوّي بعضهُُ بعضاً»، فهذا نصٌ صريحُ الدِّلالة على تقويةِ الأحاديث الضعيفة - خفيفة الضعْف - بعضها بعضاً –بشروطها المعروفة المعتبرة عند المحدثين -.
ولننظر الآن هل هذا كلام نظري عند النقّاد المتقدّمين لا يعملون به(!)، أم هو أمر مستقر معروف مسلوك عندهم؟
قال الحافظ البيهقي في «السنن الكبرى» (٨٢٩٤) (أخبرنا أبو سعد الماليني أنبأ أبو أحمد بن عدي الحافظ ثنا ابن أبي عصمة ثنا أحمد بن أبي يحيى، سمعت أحمد بن حنبل يقول: «أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم»، «ولا نكاح إلا بولي»؛ أحاديث يشدُّ بعضها بعضا، وأنا أذهب إليها).
وجاء في «سنن الدارقطني» (1 / 18) في سياق طرق حديث: «ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك لم ينجسه شيء».
فأخرجه من طريق (محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة، عن النبي ).
قال الدارقطني: (كذا رواه محمد بن وهب، عن إسماعيل بن عياش بهذا الإسناد. والمحفوظ عن ابن عياش، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه. وروي عن عبد الوهاب بن عطاء، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي ).
ثم قال: (ورواه عاصم بن المنذر بن الزبير بن عوام، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي = فكان في هذه الرواية قوَّةٌ لروايةِ محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بنن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه..).
...وبعد هذه أمثلة وتقريرات على سبيل الاحتجاج ببعضها، لا على الحصر لها..وكما قال الإمام ابن الوزير (انّ القليل يكفي المنصف، والكثير لا يكفي المتعسّف).
..وبالله التوفيق.


(2)

التقوية بالمتابعات التامة والقاصرة، والشواهد


قال الإمام ابن حبان في مقدمة صحيحه: «وإنّي أُمثّل للاعتبار مثالاً يُستدرك به ما وراءه: وكأنّا جئنا إلى حماد بن سلمة فرأيناه روى خبراً عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبيي .
لم نجد ذلك الخبر عند غيره من أصحاب أيوب، فالذي يلزمنا فيه التوقف عن جرحه، والاعتبار بما روى غيره من أقرانه.
1- فيجب أن نبدأ فننظر هذا الخبر هل رواه أصحاب حماد عنه أو رجل واحد منهم وحده، فإن وجد أصحابه قد رووه؛ عُلم أن هذا قد حدّث به حماد.
وإن وُجد ذلك من رواية ضعيفٍ عنه؛ أُلزق ذلك بذلك الراوي دونه.
فمتى صحّ أنه روى عن أيوب ما لم يتابع عليه؛ يجب أن يُتوقّف فيه ولا يُلزق به الوهن.
2- بل يُنظر هل روى أحدٌ هذا الخبر من الثقات عن ابن سيرين غير أيوب؟، فإن وُجد ذلك؛ عُلِمَ أن الخبَر له أصلٌ يرجع إليه.
3- وإن لم يُوجد ما وصفنا؛ نُظر حينئذ هل روى أحدٌ هذا الخبر عن أبي هريرة غير ابن سيرين من الثقات؟، فإن وُجد ذلك عُلِمَ أن الخبَر له أصلٌ.
وإن لم يُوجد ما قلنا:
4 - نُظر هل روى أحدٌ هذا الخبر عن النبي غير أبي هريرة؟؛ فإن وجد ذلك صحّ أن الخبَر له أصلٌ.
ومتى عُدم ذلك، والخبر - نفسه - يُخالف الأصول الثلاثة؛ عُلم أن الخبر موضوعٌ لا شك فيه، وأن ناقله الذي تفرّد به هو الذي وضعه!» انتهى كلام ابن حبان رحمه الله تعالى.
قلت: قسّمتُ كلامه إلى فقرات مرقمة:
* فرقم (1) و(2) و(3) = هي التي تسمى في المصطلح (المتابعات)، وهي على قسمين: تامة وقاصرة، فرقم (1) متابعة تامة، ورقم (2) و(3) متابعة قاصرة، وهذا نصٌ محكمٌ مصرّح فيه بالتقوية بالمتابعات التامة والقاصرة معاً!.
* وأما الفقرة الأخيرة برقم (4)، فهي التي تسمى (الشواهد) مفردها (شاهد)، وهو رواية الحديث عن صحابي آخر بلفظه أو معناه، وهذا نص محكم صريح في التقوية بالشواهد.
...وابن حبان تلميذ ابن خزيمة، وابن خزيمة روى عنه البخاري ومسلم خارج الصحيحين، فمن أعلم بالحديث وأصوله وقواعده = هذه السلسلة المباركة؟، أم سلسلة المفرقين المعاصرين: (د.عبد السلام أبو سمحة عن د.عبد الرزاق أبو البصل)!؟، ولا أدري هل ينكر الشواهد - الدكتور الأخير! - أم لا حتى لا ننسب له ما لم يقلْه!.
مع التنبيه: فإن أكثر أصحاب التفريق كبارهم وصغارهم والحمقى منهم(!)؛ لم ينكر أصل التصحيح بالشواهد:
فالشيخ عبد الله السعد ومَن في طبقته يُصرّحون بها وإنما ينبهون على التوسع فيها!، والفرق بينهم وبين أبي سمحة كالفرق بين السماء والأرض علماً ونتيجة = أما العلم فواضح(!)، وأما النتيجة فكذلك ظاهر؛ الفرق بين إنكار الأصل وبين إثبات الأصل والتنبيه على عدم التوسع فيه - وهذا حق لا ننكره، بل ننصره بضوابطه والأمر اجتهادي! -.
بل د. حمزة المليباري - نفسه - صرّح وقال بالتصحيح بالشواهد!!!.
وكذلك حارث الحسني وهو من الصنف الأخير(!)، له عنوان خاص في كتابه «منتقى الالفاظ» ولم ينكره، بل نص عليه وسار فيه على ما ذكره المتأخرون في المصطلح حذو القذة بالقذة!!!.

* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق